قال في شرح الحكم عند قوله تعالى : قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا}(يونس : ٥٨) إنما لم يؤمر العبد برفض الفرح جملة لأن ذلك من ضرورات البشر التي لا يمكن رفعها بل ينبغي صرفها للوجه اللائق بها وكذا جميع الأخلاق كالطمع والبخل والحرص والشهوة والغضب لا يمكن تبدلها بل يصح أن تصرف إلى وجه لائق بها حتى لا تتصرف إلا فيه.
﴿وَمَا الْحَيَواةُ الدُّنْيَا فِى الاخِرَةِ﴾ ليست ظرفاً للحياة ولا للدنيا لأنهما لا يقعان فيها بل هي حال والتقدير وما الحياة القريبة كائنة في جنب حياة الآخرة أي بالقياس إليها ففي للمقايسة وهي الداخلة بين مفضول سابق وفاضل لاحق.
إلا متاع إلا شيء قليل يتمتع به كزاد الراعي وعجالة الراكب وهي ما يتعجل به من تميرات أو شربة سويق أو نحو ذلك.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٧٠
قال الصاحب بن عباد : سمعت امرأة في بعض القبائل تسأل أين المتاع ويجيب ابنها الصغير بقوله جاء الرقيم أي الكلب وأخذ المتاع وهو ما يبل بالماء فيمسح به القصاع وفيه تقبيح لحال الدنيا.
قال الكاشفي :(بامتاعى از امتعه كه وفايي وبقايي ندارد ون ادوات خانه) مثل القصعة والقدح والقدر ينتفع بها ثم تذهب، والعاقل لا يفرح بما يفارقه عن قريب ويورثه حزناً طويلاً وإن حدثته نفسه بالفرح به يكذبها.
ومن سره أن لا يرى ما يسوءه
فلا يتخذ شيئاً يخاف له فقداً
حكى أنه حمل إلى بعض الملوك قدح من فيروزج مرصع بالجوهر لم ير له نظير وفرح به الملك فرحاً شديداً فقال لمن عنده من الحكماء : كيف ترى هذا؟ قال : أراه فقراً حاضراً ومصيبة عاجلة قال : وكيف ذلك؟ قال : إن انكسر كان مصيبة لا جبر لها وإن سرق صرت فقيراً إليه وقد كنت قبل أن يحمل إليك في أمن من المصيبة والفقر فاتفق أنه انكسر القدح يوماً فعظمت المصيبة على الملك وقال : صدق الحكيم ليته لم يحمل إلينا.
قال في الحكم العطائية إن أردت أن لا تعزل فلا تتول ولاية لا تدوم لك وكل ولايات الدنيا كذلك وإن لم تعزل عنها بالحياة عزلت عنها بالممات قال وقد جعل الله الدنيا محلاً للأغيار ومعدناً لوجود الأكدار تزهيداً لك فيها حتى لا يمكنك استناد إليها ولا تعريج عليها.
وقد قيل : إن الله تعالى أوحى إلى الدنيا تضيقي وتشددي على أوليائي وترفهي وتوسعي على أعدائي تضيقي على أوليائي حتى لا يشتغلوا بك عني وتوسعي على أعدائي حتى يشتغلوا بك عني فلا يتفرغوا لذكري.
وفي التأويلات النجمية الله يبسط الرزق الكشوف والشهود لمن يشاء من عباده المحبين والمحبوبين ويضيق لمن فتح عليهم أبواب الدنيا وشهواتها فاغرقهم فيها وفرحوا بها بالحيوة الدنيا أي باستيفاء لذاتها وشهواتها وما الحيوة الدنيا بالنسبة إلى من عبر عنها ولم يلتفت إليها فيجد في آخرتها ما يجد إلا تمتع أيام قلائل بأدنى شيء خسيس فان.
قال الكمال الجندي :
جهان وجمله لذاتش بزنبور وعسل ماند
كه شير ينيش بسيارست وزان افزون شر وشورش
٣٧١
وقال المولى الجامي :
مرد جاهل اه كيتي را لقلب دولت نهد
همنا نكه آماس بيند طفل كويد فربه است
ويقول الذين كفروا ثبتوا واستمروا على كفرهم وعنادهم وهم كفار مكة لولا هلا وبالفارسية (را) انزل عليه على محمد آية عظيمة كائنة من ربه (بران وجهي كه ما ميخواهيم) مثل آيات موسى وعيسى عليهما السلام من العصا وإحياء الموتى ونحوهما لكون دليلاً وعلامة على صدقه قل إن الله يضل من يشاء إضلاله باقتراح الآيات تعنتا بعد تبين الحق وظهور المعجزات فلا تغنى عنه كثرة المعجزات شيئاً إذا لم يهده الله ويهدي إليه من أناب من أقبل إلى الحق ورجع عن العناد فضمير إليه راجع إلى الحق.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٧٠
قال في القاموس : ناب إلى الله تاب كأناب، والاضلال خلق الضلالة في العبد والهداية خلق الاهتداء، والدلالة على طريق يوصل إلى المطلوب مطلقاً، وقد يسند كل منهما إلى الغير مجازاً بطريق السبب والقرآن ناطق بكلا المعنيين فيسند الاضلال إلى الشيطان في مرتبة الشريعة وإلى النفس في مرتبة الطريقة وإلى الله في مرتبة الحقيقة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٧٠
[محمد : ٣-٤٥]﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ بدل ممن أناب أو خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم (وآرام مى يا بدد لهاى ايشان) بذكر الله إذا سمعوا ذكر الله أحبوه واستأنسوا به ودل في الذكر القرآن فالمؤمنون يستأنسون بالقرآن وذكر الله الذي هو الاسم الأعظم ويحبون استماعها، والكفار يفرحون بالدنيا ويستبشرون بذكر غير الله كما قال تعالى : وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يسبتشرون}(الزمر : ٤٥) ﴿إِلا﴾ (بدانيدكه) ﴿بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَـاـاِنُّ الْقُلُوبُ﴾ قلوب المؤمنين ويستقر اليقين فيها فقلوب العوام تطمئن بالتسبيح والثناء وقلوب الخواص بحقائق الأسماء الحسنى وقلوب الأخص بمشاهدة الله تعالى.