وفي}()التأويلات النجمية" ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي : ستروا الحق بالباطل لولا أنزل عليه على من يدعو الخلق إلى الحق آية من ربه ظاهرة من المعجزات والكرامات كما نزل على بعضهم ليستدلوا بها على صدق دعواهم قل الله يضل من يشاء أن يضله في الأزل بعين الآية ليراها سحراً ويحسبها باطلاً ويرشد إلى حضرة جلاله من يرجع إليه طالباً مشتاقاً إلى جماله.
وفيه إشارة إلى أن الطالب الصادق في الطلب هو من أهل الهداية في الهداية وليس ممن يشاء الله ضلالته في الأزل، وهم الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله لا بذكر غيره يعني أهل الهداية هم الذين آمنوا.
واعلم أن القلوب أربعة : قلب قاس : وهو قلب الكفار والمنافقين، فاطمئنانه بالدنيا وشهواتها كقوله تعالى : رضوا بالحياة الدنيا واطمؤنوا بها}(يونس : ٧).
وقلب ناس وهو قلب المسلم المذنب كقوله تعالى :﴿فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَه عَزْمًا﴾ (طه : ١١٥) فاطمئنانه بالتوبة ونعيم الجنة كقوله :﴿فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾ (طه : ١٢٢).
وقلب مشتاق وهو قلب المؤمن المطيع فاطمئنانه بذكر الله كقوله تعالى :﴿الَّذِينَ ءَامَنُوا وَتَطْمَـاـاِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ﴾.
وقلب وحداني وهو قلب الأنبياء وخواص الأولياء فاطمئنانه بالله وصفاته كقوله تعالى لخليله عليه السلام في جواب قوله : كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي}(البقرة : ٢٦٠) باراءتك إياي كيفية إحياء الموتى إذا تتجلى لقلبي بصفة محييك فأكون بك محيي الموتى ولهذا إذا تجلى الله لقلب العبد يطمئن به فينعكس نور الاطمئنان من مرآة قلبه إلى
٣٧٢
نفسه فتصير النفس مطمئنة به أيضاً فتستحق لجذابت العناية وهي خطاب ارجعي إلى ربك فافهم جداً انتهى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٧٢
قال في "نفائس المجالس" الذكر صيقل القلوب وسبب سرور المحبوب، فمن ذكر الله فالله يذكره كما قال تعالى :﴿فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ﴾ (البقرة : ١٥٢) فالمحجوبون تطمئن قلوبهم بذكرهم له تعالى وأما الواصلون فاطمئنان قلوبهم بذكره تعالى ـ ـ روي ـ ـ أن النبي عليه السلام بعث بعثاً قبل نجد فغنموا ورجعوا، فقال رجل ما رأينا بعثاً أفضل غنيمة وأسرع رجعة من هذا البعث، فقال عليه السلام :"ألا أدلكم على قوم أفضل غنيمة وأسرع رجعة قوم شهدوا صلاة الصبح ثم جلسوا يذكرون الله حتى طلعت الشمس" قال أبو سعيد : خرج رسول الله يوماً على حلقة من أصحابه فقال :"ما أجلسكم"؟ فقالوا جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام قال :"آ ما أجلسكم إلا ذلك" قوله آ بالجر والمد على القسم أي بالله ما أجلسكم قالوا بالله ما أجلسنا إلا ذاك قال :"أما إني لم استحلفكم تهمة ولكن أتاني جبرائيل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة".
فإن قلت : ما تقول فيما روى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إنه سمع قوماً اجتمعوا في المسجد يهللون ويصلون على النبي عليه السلام برفع الصوت جهراً فراح إليهم وقال لهم ما عهدنا هذا على عهد رسول الله وما أراكم إلا مبتدعين فما زال يكرر ذلك حتى أخرجهم من المسجد.
قلت : أجاب عنه صاحب "الرسالة التحقيقية" في طريق الصوفية الشيخ سنبل الخلوتي قدس سره بأنه كذب وافتراء على ابن مسعود لمخالفته النصوص القرآنية والأحاديث النبوية وأفعال الملائكة قال الله تعالى :﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَـاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُه وَسَعَى فِى خَرَابِهَآا أُوالَـائِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلا خَآئِفِينَ﴾ (البقرة : ١١٤) ولو سلمنا صحة وقوعه فهو لا يعارض الأدلة المذكورة لأنه أثر، والأثر لا يعارض الحديث كما لا يخفى وبطلان الأدلة يدل على بطلان المدلولات وفي الحديث :"علامة حب الله حب ذكر الله وعلامة بغض الله بغض ذكر الله".
واعلم أن نور الذكر قدره على قدر حال الذاكر، وذلك بالفناء في الله والذاكرون على أربعة أصناف.
الصنف الأول : أهل الخلوة ووظيفتهم في اليوم والليلة من الذكر الخفي القوي بالنفي والإثبات والحركة الشديدة سبعون ألف لا إله إلا الله وهؤلاء مشتغلون بالحق لا بغيره.
الصنف الثاني أهل العزلة ووظيفتهم من الذكر الخفي في اليوم والليلة ثلاثون ألف لا إله إلا الله وهؤلاء مشتغلون تارة بالحق وتارة بأنفسهم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٧٢
الصنف الثالث أصحاب الأوقات وهؤلاء وظيفتهم من الذكر جهراً وخفية اثنا عشر ألفاً وهؤلاء مشغولون بالحق مرة وبمصالح أنفسهم مرة وبالخلق أخرى.
الصنف الرابع أصحاب الخدمة وهؤلاء وظيفتهم ذكر الجهر على كل حال من الأحوال ليلاً ونهاراً بعد المداومة على الوضوء.
قال بعض الأكابر : من قال في الثلث الأخير من ليلة الثلاثاء لا إله إلا الله ألف مرة بجمع همة وحضور قلب وأرسلها إلى ظالم عجل الله دماره وخرب دياره وسلط عليه الآفات وأهلكه بالعاهات.


الصفحة التالية
Icon