ولو أن قرآناً روى إن نفراً من مشركي مكة معهم أبو جهل بن هشام وعبد الله بن أمية قالوا يا محمد إن يسرك أن نتبعك فسير لنا بقرءانك الجبال عن حوالي مكة فإنها ضيقة حتى تتسع لنا الأرض فنتخذ البساتين والمحارث وشقق الأرض وفجر لنا الأنهار والعيون كما في أرض الشام وأحي رجلين أو ثلاثة ممن مات من آبائنا منهم قصي بن كلاب ليكلمونا ونسألهم عن أمرك أحق ما تقول أم باطل فلما اقترحوا عليه هذه الآيات نزل قوله : ولو أن الخ وجواب الشرط محذوف كما سيأتي.
والمعنى بالفارسية (واكر كتابي بودي كه درين عالم) سيرت به الجبال التسيير بالفارسية (برفتن آوردن) أي نقلت من أماكنها واذهبت عن وجه الأرض بالفارسية (رانده شدى بوي كوهها يعني در وقت خواندن وى از مواضع خود برفتي) أو قطعت به الأرض شققت فجعلت أنهاراً وعيوناً.
وبالفارسية (يا شكافته شدى بدو زمين ون برو خواندندى) أو كلم أحيي به الموتى (يا بسخن در آوردندى از بركت خواندن او مرد كانرا) أي لكان هذا القرآن لكونه غاية في الإعجاز ونهاية في التذكير، والمراد منه تعظيم شأن القرآن والرد على المشركين الذين كابروا في كون القرآن آية واقترحوا آية غيرها والتنبيه على أن ما ينفعهم في دينهم خير لهم مما ينفعهم في دنياهم كالزراعة ونحوها مع أن في القرآن تأثيرات وخاصيات أنفسية عجيبة فلو كان لهم استعداد لظهور تلك التأثيرات لسيرت به جبال نفوسهم وقطعت به أرض بشريتهم وأحيي به قلوبهم الموتى بل (نه نانست كه كافران ميكويند بقرآن تويا بفرمان تو بايد اينها واقع شود)الأمر أي أمر خلقه جميعاً فله التصرف في كل شيء وله القدرة على ما أراد وهو قادر على الإتيان بما اقترحوه من الآيات إلا أن إرادته لم تتعلق بذلك لعلمه بأنه لا تنفعهم الآيات روى أنه لما نزلت هذه الآية قال عليه السلام : والذي نفسي بيده لقد أعطاني ما سألتم ولو شئت لكان ولكن خيرني بين أن تدخلوا في باب الرحمة فيؤمن مؤمنكم وبين أن يكلكم إلى ما اخترتم لأنفسكم فتضلوا عن باب الرحمة فاخترت باب الرحمة وأخبرني أنه إن أعطاكم ذلك ثم كفرتم أن يعذبكم عذاباً لم يعذبه أحداً من العالمين كما في أسباب النزول للامام
٣٧٦
الواحدي.
واعلم أن الكفار ما أبصروا نور القرآن فعموا عن رؤية البرهان، وكذا أهل الانكار غفلوا عن سر القرآن فحرموا من المشاهدة والعيان.
وفي المثنوى :
تو ز قرآن اي سر ظاهر مبين
ديو آدم رانه بيند جز كه طين
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٧٥
ظاهر قرآن و شخص آدميست
كه نقوشش ظاهر وجانش خفيست
ولا شك أن من تخلق بالقرآن الذي هو صفة الله تعالى قدر على ما لم يقدر عليه غيره وفي الحديث : لو كان القرآن في إهاب ما مسته النار أي : لو صور القرآن وجعل في إهاب وألقى في النار ما مسته ولا أحرقته ببركة القرآن فكيف بالمؤمن الحامل له المواظب على تلاوته.
ومن الحكايات اللطيفة أن علياً رضي الله عنه مرض فقال أبو بكر رضي الله عنه لعمر وعثمان رضي الله عنهما إن علياً قد مرض فعلينا العيادة فأتوا بابه وهو يجد خفة من المرض ففرح فرحاً فتموج بحر سخائه فدخل بيته فلم يجد شيئاً سوى عسل يكفي لواحد في طست وهو أبيض وأنور وفيه شعر أسود، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لا يليق الأكل قبل المقالة فقالوا أنت أعزنا وأكرمنا وسيدنا فقل أولاً فقال : الدين أنور من الطست وذكر الله تعالى أحلى من العسل والشريعة أدق من الشعر فقال عمر رضي الله عنه الجنة أنور من الطست ونعيمها أحلى من العسل والصراط أدق من الشعر فقال عثمان رضي الله عنه القرآن أنور من الطست وقراءة القرآن أحلى من العسل وتفسيره أدق من الشعر فقال علي رضي الله عنه الضيف أنور من الطست وكلام الضيف أحلى من العسل وقلبه أدق من الشعر نور الله تعالى قلوبنا بنور العرفان وأوصلنا وإياكم إلى سر القرآن آمين يا الله يا رحمن أفلم ييأس الذين آمنوا اليأس قطع الطمع عن الشيء والقنوط منه والاستفهام بمعنى الأمر روى أن طائفة من المؤمنين قالوا يا رسول الله أجب هؤلاء الكفار يعنون كفار مكة إلى ما اقترحوا من الآيات فعسى أن يؤمنوا فقال تعالى أفلم يقنط المؤمنون من إيمان هؤلاء الكفرة بعد ما رأوا كثرة عنادهم بعد ما شاهدوا الآيات أن أي علماً منهم أنه لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً فآمنوا وقد يستعمل اليأس بمعنى العلم مجازاً لأنه مسبب عن العلم بأن ذلك الشيء لا يكون فإن المخففة مع ما في حيزها في محل النصب على أنهار مفعول اليأس بمعنى العلم.
والمعنى أفلم يعلم الذين آمنوا أن الله تعالى لا يهدي الناس جميعاً لعدم تعلق مشيئتة باهتداء الجميع فيهدي من يشاء ويضل من يشاء بمقتضى قبضتيه الجمالية والجلالية.
قال الحافظ :
در كار خانه عشق از كفرنا كزيرست
آتش كرا بسوزد كربو لهب نباشد


الصفحة التالية
Icon