ولا يزال الذين كفروا بالرحمن وهم كفار مكة تصيبهم بما صنعوا أي بسبب ما فعلوا من كفرهم وأعمالهم الخبيثة قارعة داهية تقرعهم وتفجأهم من القتل والأسر والحرب والجدب وأصل القرع الضرب والصدع، تلخيصه لا يزال كفار مكة معذبين بقارعة أو تحل القارعة أي تنزل قريباً (بموضعي نزديك) من دارهم أي مكة فيفزعون فيها ويقلعون ويتطاير عليهم شرارها ويتعدى إليهم شرورها ويجوز أن يكون تحل خطاباً للنبي عليه السلام فإنه حل بجيشه قريباً من دارهم عام الحديبية فأغار على أموالهم ومواشيهم.
٣٧٧
وفي التأويلات النجمية : قارعة من الأحكام الأزلية تقرعهم في أنواع المعاملات التي تصدر منهم موجبة للشقاوة وبقوله : أو تحل قريباً من دارهم يشير إلى أن الأحكام الأزلية تارة تصدر منهم وتارة من مصاحبهم فتوافقوا في أسباب الشقاوة وترافقوا إلى ما أوعدهم الله من درك الشقاء كما قال : حتى يعني (بلابديشان خواهد رسيد تاوقتى كه) يأتي وعد الله وهو موتهم أو يوم القيامة أو فتح مكة إن الله لا يخلف الميعاد لامتناع الخلف لكونه نقصاً منافياً للألوهية وكمال الشيء، والميعاد بمعنى الوعد كالميلاد والميثاق بمعنى الولادة والتوثقة، والوعد عبارة عن الأخبار بإيصال المنفعة قبل وقوعها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٧٥
[الحجر : ١١]﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِىاَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ﴾ كاستهزاء قومك بك والتنكير للتكثير أي بجميع الرسل من قبلك ويدل عليه قوله تعالى : وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون}(يس : ٣٠) ومعنى الاستهزاء الاستحقار والاستهانة والأذى والتكذيب ﴿فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي للمستهزئين الذين كفروا.
والإملاء الإمهال وإن يترك ملاوة من الزمان أي مدة طويلة منه في دعة وأمن، كالبهيمة في المرعى أي أطلت لهم المدة في أمن وسعة بتأخير العقوبة ليتمادوا في المعصية ثم أخذتهم بالعقوبة بعد الإملاء والاستدراج فكيف كان (س ه ونه بود) عقاب عقابي إياهم كيف رأيت ما صنعت بمن استهزأ برسلي ولم ير النبي عليه السلام عقوبتهم إلا أنه علم بالتحقيق فكأنه رأى عياناً.
وفي بحر العلوم فإنكم تمرون على بلادهم ومساكنهم فتشاهدون أثر ذلك وهذا تعجيب من شدة أخذه لهم سلى رسول الله عن استهزائهم به وأذاهم وتكذيبهم واقتراحهم الآيات بأن له في الأنبياء أسوة وأن جزاء ما يفعلون به ينزل بهم كما نزل بالمستهزئين بالأنبياء جزاء ما فعلوا.
وفيه إشارة إلى أن من أمارات الشقاء الاستهزاء بالأنبياء والأولياء وفي الحديث : من أهان لي ويروى من عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة أي من أغضب وآذى واحداً من أوليائي فقد حاربني والله أسرع شيء إلى نصرة أوليائه لأن الولي ينصر الله فيكون الله ناصره وروى أن الله تعالى قال لبعض أوليائه : أما زهدك في الدنيا فقد تعجلت راحة نفسك وأما ذكرك إياي فقد تشرفت بي فهل واليت فيّ ولياً وهل عاديت فيّ عدواً، فمحبة أولياء الله تعالى وموالاتهم من أنفع الأعمال عند الله وبغضهم وعداوتهم واستحقارهم والطعن فيه من أضر الأعمال عنده تعالى وأكبر الكبائر (آورده انده كه سهالارى بود ظالم وباتباع خود بخانه يكى از مشايخ كبار فرود آمد خداوند خانه كفت من منشوري دارم بخانه من فرود ميا كفت منشور بنما شيخ درخانه رفت ومصحفي عزيز داشت ودر يش آمد وباز كرد اين آيت بر آمدكه) يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها}(النور : ٢٧) (سهسا لا ركفت.
من نداشتم كه منشور أمير داري بدان التفات نكرد ودرخانه شيخ فرود آمد آن شب قو لنجش بكرفت وهلاك شد) قال الصائب :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٧٨
نتيجه نفس كرم عند ليبانست
كه عمر شبنم كستاخ يكزمان باشد
ولا شك أن مثل هذه المعاملات القبيحة من غلبة أوصاف النفس، فعلى العاقل أن يزكى نفسه
٣٧٨
عن سفساف الأخلاق حتى يتخلص من قهر القهار الخلاق ألا ترى أن المؤمنين نظروا إلى النبي عليه السلام بعين التعظيم وبدلوا الكبر بالتواضع والفناء ودخلوا في الاستسلام فاستعسدوا بسعادة الدارين وأما الكفرة فعتوا عتواً كبيراً فاستأصلهم الله من حيث لا يحتسبون فشقوا شقاوة أيدية وهكذا حال سائر المؤمنين والمنكرين إلى يوم القيامة فإن الأولياء ورثة الرسول عليه السلام والمعاملة معهم كالمعاملة معه.
قال الكمال الخجندي :
مقربان خدا ند وارثان رسول
توازخداي نين دور وازرسولى يست


الصفحة التالية
Icon