[آل عمران : ١٦٢-١٧]﴿أَفَمَنِ﴾ (يا كسى كه) فمن موصولة مرفوعة المحل على الابتداء والخبر محذوف والاستفهام بمعنى النفي أي فالله الذي هو قائم رقيب على كل نفس صالحة أو طالحة بما كسبت من خير وشر يحفظه عليها فيجازيها به يعني أراد المجازاة ولم يغفر كمن ليس بهذه الصفة من الأصنام التي لا تضر ولا تنفع وهذا كقوله : أفمن يخلق كمن لا يخلق}(النحل : ١٧) أي لا يكون من هو قائم على كل نفس يعلم خيرها وشرها ويجازيها على حسب ذلك كمن ليس بقائم على شيء متناه في العجز والضعف والجهل ومعنى القيام التولي لأمور خلقه والتدبير للأرزاق والآجال وإحصاء الأعمال للجزاء يقال قام فلان إذا كفاه وتولاه ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَآءَ﴾ أي الأصنام وهو استئناف، يعني : أن الكفار سووا بين الله وبين الأصنام واتخذوها شركاء له في العبادة وإنما تكون سواء وشركاء فيها لو كانت سواء وشركاء في القيام على كل نفس فما أعجب كفرهم وإشراكهم وتسويتهم مع علمهم التفاوت بينهما أي تعجبوا من ذلك قل سموهم بينوا شركاءكم بأسمائهم وصفوهم بصفاتهم فانظروا هل لهم ما يستحقون به العبادة والشركة يشير إلى أن الأسماء مأخذها من الصفات فإن لم تروا منهم شيئاً من صفات الله فكيف تسمونهم كما قال الكاشفي (مراد آنست كه حق را حى وقادر وخالق ورزاق وسميع وبصير وعليم وحكيم ميكويند واطلاق هي يك ازين اسما بر اصنام نمى تواندكرد) قال في بحر العلوم قوله : قل سموهم من فن الكناية وذلك لأن معنى سموهم عينوا أساميهم، ولما كان تعيين الشي بالاسم من لوازم وجوده جعل عدم التعيين كناية عن عدم وجود الشيء، يعني ليس لهم عندنا أسام يستحقون بها العبادة وإن كانت عندكم فسموهم بها وانظروا هل يستحقون بها ولما لم تكن لهم عندهم أيضاً اسام تقتضي استحقاق العبادة لم يستحقوها ولم يتحقق لهم العبادة والشركة أم تنبئونه أم منقطعة مقدرة ببل والهمزة الإنكارية أي بل أتخبرون الله تعالى بما لا يعلم في الأرض أي بما لا وجود له ولا علم الله متعلق بوجوده وهو الشركاء المستحقون للعبادة وهو نفي للملزوم ينفي اللازم بطريق الكناية، أي : لا شريك له ولا علم، إذ لو كان الشريك موجوداً لكان معلوماًتعالى لأن علم الله لازم لوجود الشيء وإلا يلزم جهله تعالى الله عن ذلك فإذا لم يكن وجوده معلوماً له وجب أن لا يكون موجوداً لاستلزام انتفاء اللازم ملزومه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٧٨
قال في بحر العلوم أم تنبئونه إضراب عن ذكر تسميتهم وتعيين أساميهم إلى ذكر تنبئتهم ومعنى الهمز في أم الانكار بمعنى ما كان ينبغي أولا ينبغي أن يكون ذلك.
وفي التبيان تأويل الآية فإن سموهم بصفات الله فقل أتبنئونه بما لا يعلم
٣٧٩
في الأرض أم بظاهر من القول بل تسمونهم شركاء بكلام لا حقيقة له كتسمية الزنجي كافوراً.
وفي بحر العلوم هو إضراب عن ذكر تنبئتهم وإخبارهم إلى ذكر تسميتهم الأصنام بشركاء بظاهر من القول من غير حقيقة واعتبار معنى، ومعنى الهمزة في أم الإنكار والتعجب كأنه قال دع ذلك المذكور واسمع قولهم المستنكر المقضي منه العجب وذلك أن قولهم بالشركاء قول لا يعضده برهان فما هو إلا لفظ يتفوهون به فارغ عن معنى تحته كالألفاظ المهملة التي هي أجراس لا تدل على معان ولا يتكلم بها عاقل تنفراً منها واستقباحاً بل زين للذين كفروا مكرهم أنفسهم بتخيلهم أباطيل ثم ظنهم إياها حقا، وهو اتخاذهم الله شركاء خذلانا من الله.
والمكر صرف الغير عما يقصده بحيلة والمزين إما الشيطان بوسوسته كقوله تعالى : وزين لهم الشيطان أعمالهم}(النمل : ٢٤) أو الله تعالى كقوله :﴿زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَـالَهُمْ﴾ (النمل : ٤) وفي الحديث :"بعثت داعياً ومبلغاً وليس لي من الهدى شيء وخلق إبليس مزيناً وليس إليه من الضلالة شيء".
حق فاعل وهره جز حق آلات بود
تأثير زآلت از محالات بود
﴿وَصَدُّوا﴾ من الصد وهو المنع عن السبيل سبيل الحق ومن (هركه) يضلل الله يخذله عن سبيله.
قال سعدي المفتي : ولا منع عند أهل السنة أن يفسر الاضلال بخلق الضلال وكذا الهداية يجوز أن تفسر بخلق الاهتداء فماله من هاد فماله من أحد يقدر على هدايته ويوفقه لها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٧٨
﴿لَّهُمْ عَذَابٌ فِى الْحَيَواةِ الدُّنْيَا﴾ بالقتل والأسر وسائر ما ينالهم من المصائب والمحن ولا يلحقهم إلا عقوبة لهم على الكفر ولذلك سماه عذاباً، وأصل العذاب في كلام العرب من العذب وهو المنع يقال عذبته عذباً إذا منعته وسمى الماء عذباً لأنه يمنع العطش، وسمى العذاب عذاباً لأنه يمنع المعاقب من معاودة مثل جرمه ويمنع غيره من مثله فعله.


الصفحة التالية
Icon