﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ﴾ وما صح لواحد منهم ولم يكن في وسعه إن يأتي بآية تقترح عليه
٣٨٤
إلا بإذن الله أي بأمره لا باختيار نفسه ورأيه فإنهم عبيد مر بوبون وهو جواب لقول المشركين لو كان رسولاً من عند الله لكان عليه أن يأتي بأي شيء طلبنا منه من المعجزات ولا يتوقف فيه وفيه إشارة إلى أن حركات عامة الخلق وسكناتهم بمشيئة الله تعالى وإرادته وإن حركات الرسل وسكناتهم بإذن الله ورضاه لكل أجل وقت كتاب حكم مكتوب مفروض يليق بصلاح حال أهله فإن الحكمة تقتضي اختلاف الأحكام على حسب اختلاف الأعصار والأمم، وهو جواب لقولهم لو كان نبياً ما نسخ أكثر أحكام التوراة والإنجيل.
وقال الشيخ في تفسيره : أي لكل شيء قضاه الله وقت مكتوب معلوم لا يزاد عليه ولا ينقص منه أو لا يتقدم ولا يتأخر عنه (ياهر أجلى را از آجال خلائق كتابيت نزديك خداي تعالى كه جزوى كسى را بر آجال خلق اطلاع نباشد).
يمحو الله ما يشاء محوه ويثبت ما يشاء إثباته فينسخ ما يستصوب نسخه ويثبت بدله ما هو خير منه أو مثله ويترك ما يقتضيه حكمته غير منسوخ.
أو يمحو سيئات التائب ويثبت الحسنات مكانها.
أو يمحو من ديوان الحفظة ما ليس بحسنة ولا سيئة وذلك لأنهم مأمورون بكتب جميع ما يقول الإنسان ويفعل فإذا كان يوم الاثنين والخميس يعارض ما كتبه الحفظة بما في اللوح المحفوظ فينفي من كتاب الحفظة ما لا جزاء له من ثواب وعقاب ويثبت ماله جزاء من أحدهما ويترك مكتوباً كما هو، فإن كان في أول الديوان وآخره خير يمحو الله ما بينهما من السيئات وإن لم يكن في أوله وآخره حسنات أثبت ما فيه من السيئات.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٨٤
واختلف هل يكتب الملك ذكر القلب فسئل سفيان بن عيينة هل يعلم الملكان الغيب؟ فقال : لا فقيل له : فكيف يكتبان ما لا يقع من عمل القلب؟ فقال : لكل عمل سيما يعرف بها كالمجرم يعرف بسيماه إذا هم العبد بحسنة فاح من فيه رائحة المسك فيعلمون ذلك فيثبتونها وإذا هم بسيئة واستقر عليها قلبه فاح منه ريح منتنة.
وجعل النووي هذا أي كونهم يكتبون عمل القلب أصح.
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : الملك لا سبيل له إلى معرفة باطن العبيد في قول أكثرهم انتهى.
ويؤيده ما في ريحان القلوب أن الذكر الخفي هو ما خفي عن الحفظة لا ما يخفض به الصوت وهو خاص به ومن له أسوة حسنة انتهى.
يقول الفقير : يحتمل أن الإنسان الكامل لكونه حامل أمانة الله ومظهر أسراره وخير البرية لا يطلع عليه الملك ويطلع على حال غيره بعلامات خفية عن البشر إلزاماً وإحصاء لعمله، كما قال تعالى : لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها}(الكهف : ٤٩) أو يمحو ويثبت في السعادة والشقاوة
٣٨٥
والرزق والأجل ـ ـ روى ـ ـ عن عمر رضي الله عنه أنه كان يطوف بالبيت وهو يبكي ويقول اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها وإن كنت كتبتني في أهل الشقاوة فامحني وأثبتني في أهل السعادة والمغفرة لأنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب.
وفي الأثر أن الرجل يكون قد بقي من عمره ثلاثون سنة فيقطع رحمه فيرد إلى ثلاثة أيام ويكون قد بقى من عمره ثلاثة أيام فيصل رحمه فيرد إلى ثلاثين سنة.
قال في "التأويلات النجمية" لأجل أهل المشيئة والإرادة في حركاتم وقت معين لوقوع الفعل فيه وكذا لأهل الأذن والرضي ثم يمحو الله ما يشاء لأهل السعادة من أفاعيل أهل الشقاوة ويثبت لهم من أفاعيل أهل السعادة ويمحو ما يشاء لأهل الشقاوة من أفاعيل أهل السعادة ويثبت لهم من أفاعيل أهل الشقاوة وعنده أم الكتاب الذي مقدر فيه حاصل أمر كل واحد من الفريقين وخاتمتهم فلا يزيد ولا ينقص انتهى.
يقول الفقير : إن التغير والتبدل والمحو والإثبات إنما هو بالنسبة إلى السعادة والشقاوة العارضتين فإنهما تقبلان ذلك بخلاف الأصليتين كما روى أنه عليه السلام قال :"إذا مضت على النطفة خمس وأربعون ليلة يدخل الملك على تلك النطفة فيقول يا رب أشقي أم سعيد؟ فيقضي الله ويكتب الملك فيقول يا رب أذكرأم أنثى؟ فيقضي الله ويكتب الملك فيقول عمله ورزقه فيقضي الله ويكتب الملك ثم تطوي الصحيفة فلا يزاد فيها ولا ينقض منها" فعلم أن بطن الأم ناظر إلى لوح الأزل فلا يتغير أبداً وأما عالم الحس فناظر إلى اللوح وعلى هذا يحمل قول بعضهم ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ﴾ إلا الشقاوة والسعادة والموت والحياة والرزق والعمر والأجل والخلق والخلق.
كما قال السعدي قدس سره :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٨٤
خوى بد در طبيعتي كه نشست
نرهد جز بوقت مرك ازدست


الصفحة التالية
Icon