وفي الوجود الإنساني أيضاً لوحان جزئيان معنوي وصوري فالمعنوي الجزئي باب اللوح المعنوي الكلي والصوري للصوري فالصوري ينكشف لأكثر الأولياء، وأما المعنوي فلا يحصل إلا لواحد بعد واحد.
وفي موضع آخر منها جميع ما سوى الله تعالى مما كان وما سيكون من إرادة واحدة أزلية لا تكثر فيها ولا تغير ولا تبدل وهي المراد من قوله ما يبدل القول لدي}(ق : ٢٩) وأما قوله :﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَآءُ﴾ ويثبت فناظر إلى تعلقات تلك الإرادة الأزلية التي هي من الصفات الحقيقية بالمحدثات على ما تقتضيه حكمته ومن جملتها أفعال العبودية فتصدر منهم بإرادتهم الحادثة واختيارهم الجزئي بمعنى أنهم يصرفون اختيارهم إلى جانب أفعالهم فيخلقها الله سبحانه فالكسب منهم والخلق من الله فلا يلزم الجبر، والأعمال إعلام فمن قدر له السعادة ختم بالسعادة من قدر له الشقاوة ختم بالشقاوة وفي الحديث : إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينه وبينها الإ ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها وفي قوله عليه السلام في الحديث : فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وقوله : فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها تنبيه على سببية العمل في الجانبين حيث لم يقل فيسبق عليه الكتاب فيدخل النار أو الجنة بل ذكر العمل أيضاً كما لا يخفى على المتفطن.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٨٤
واعلم أن الله تعالى علق كثيراً من العطايا على الأعمال الصالحة وأمر العباد بها وفي الحديث الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل.
وفي الإحياء إن قيل ما فائدة الدعاء والقضاء لا مرد له؟ قلنا : إن من جملة
٣٨٧
القضاء كون الدعاء سبباً لرد البلاء واستجلاب الرحمة وصار كالترس فإنه لما كان لرد السهم لم يكن حمله مناقضاً للاعتراف بالقضاء فكذا الدعاء فقدر الله الأمر وقدر سببه.
قال الحسن البصري : طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب.
وقال : علامة الحقيقة : ترك ملاحظة العمل لا ترك العمل فعلى العاقل أن يجتهد في أعمال البر ويكف النفس عن الهوى إلى أن يجيء الأجل.
قال الكمال الخجندي قدس سره :
بكوش تابكف آرى كليد كنج وجود
كه بي طلب نتوان يافت كوهر مقصود
وإما نرينك في حياتك يا أفضل الرسل وأصله وإن نرك وما مزيدة لتأكيد معنى الشرط ومن ثمة الحقت النون بالفعل بعض الذي نعدهم أي مشركي مكة من العذاب والزلازل والمصائب والجواب محذوف أي فذاك شافيك من أعدائك.
س از مرك آنكس نبايد كريست
كه روزى س از مرك دشمن بزيست
أو نتوفينك أي نقبض روحك الطاهرة قبل إراءة ذلك فلا تحزن فإنما عليك البلاغ اسم أقيم مقام التبليغ كالأداء مقام التأدية أي تبليغ الرسالة وأداء الأمانة لا غير وعلينا الحساب أي مجازاتهم يوم القيامة لا عليك فننتقم منهم أشد الانتقام فلا يهمنك إعراضهم ولا تستعجل بعذابهم ونظيره قوله تعالى : فأما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون}(الزخرف : ٤١) يعني لا يتخلصون من عذاب الله مت أو بقيت حياً.
وفي "التأويلات النجمية" ﴿إِنَّا نَرَاـاكَ﴾ بالكشف والمشاهدة بعض الذي نعدهم وعدناهم من العذاب والثواب قبل وفاتك كما كان يخبر عن العشرة المبشرة وغيرهم بدخولهم الجنة وقد أخبر السائل عن أبيه حين قال أين أبوك؟ قال : أبي وأبوك في النار وقال : رأيت الجنة وفيها فلان ورأيت النار وفيها فلان أو نتوفينك قبل أن نريك من أحوالهم فإنما عليك البلاغ فيما أمرناك بتبليغه ولا عليك القبول فيما تقول وعلينا الحساب في الرد والقبول انتهى، وكأن الكفرة قالوا أين ما وعد ربك أن يريك فقال تعالى :
أو لم يروا أنا نأتي الأرض أي : يأتي أمرنا أرض الكفرة ننقصها من أطرافها حال من فاعل نأتي أو من مفعوله أي نفتح ديار الشرك بمحمد والمؤمنين به فما زاد في بلاد الإسلام باستيلائهم عليها جبراً وقهراً نقص من ديار الكفرة، والله تعالى إذا قدر على جعل بعض ديار الكفرة للمسلمين فهو قادر على أن يجعل الكل لهم أفلا يعتبرون والله يحكم لا معقب لحكمه محل لامع المنفى النصب على الحال أي يحكم نافذاً حكمه خالياً عن المعارض والمناقض، وحقيقته الذي يعقب الشيء بالرد والإبطال.
والمعنى : أنه حكم للإسلام بالغلبة والإقبال وعلى الكفر بالإدبار والانتكاس وذلك كائن لا يمكن تغييره وهو سريع الحساب فيحاسبهم عما قليل في الآخرة بعد عذاب الدنيا من القتل والإجلاء.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٨٤
يقول الفقير : نقص الأرض إنما يكون بالفتح المبني على الأمر بالجهاد وهو إنما فرض بالمدينة فالأظهر أن الآية مدنية لا مكية كما لا يخفي، وكون السورة مكية لا ينافيه وقد تعرض من ذهب إلى كونها مكية لاستثناء آيتين كما أشير إليهما في عنوان السورة ولم يتعرض لهذه الآية والحق ما قلنا.
وقال بعضهم : نقص الأرض ذهاب البركة أو خراب النواحي أو موت الناس
٣٨٨


الصفحة التالية
Icon