وفي تفسير الكاشفي :(جمعي بر آنندكه اين حروف اسامي قر آنندوبدين وجه توان كفت كه الريعني قرآن كتاب) أنزلناه إليك يا محمد بواسطة جبرائيل حال كونه حجة على رسالتك بإعجازه يناسب قوله تعالى فيما بعد ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ثم بين المصلحة في إنزال الكتاب على رسول الله بقوله لتخرج الناس كافة بدعائك وإرشادك إياهم إلى ما تضمنه الكتاب من العقائد الحقة والأحكام النافعة من الظلمات إلى النور أي : من أنواع الضلالة إلى الهدى ومن ظلمة الكفر والنفاق والشك والبدعة إلى نور الإيمان والإخلاص واليقين والسنة ومن ظلمة الكثرة إلى نور الوحدة ومن ظلمة حجب الأفعال وأستار الصفات إلى نور وحدة الذات ومن ظلمة الخلقية إلى نور تجلى صفة الربوبية وذلك أن الله تعالى خلق عالم الآخرة وهو عالم الأرواح من النور وجعل زبدته روح الإنسان، وخلق عالم الدنيا وهو عالم الأجسام وجعل زبدته جسم الإنسان، وكماأنه تعالى جعل عالم الأجسام حجاباً لعالم الأرواح جعل ظلمات صفات جسم الإنسان حجاباً لنور صفات روح الإنسان وجعل العالمين بظلماتهما وأنوارهما حجاباً لنور صفة الوهيته كما قال : إنسبعين حجاباً من نور وظلمة لو كشفت لأحرقت سبحات وجه ما انتهى إليها بصره وما جعل الله لنوع من أنواع الموجودات استعداداً للخروج من هذه الحجب إلا للإنسان لا يخرج منها أحد إلا بتخريجه إياه منها، واختص المؤمن بهذه الكرامة كما قال الله تعالى : الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور}(البقرة : ٢٥٧) فجعل النبي صلى الله عليه وسلّم والقرآن من أسباب تخريج المؤمنين من حجب الظلمات إلى النور ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِمْ﴾ أي بحوله وقوته أي لا سبيل له إلى ذلك إلا به وإنما قال ربهم لأنه تعالى مربيهم، وما قال بإذن ربك ليعلم إن هذه التربية من الله لا من النبي عليه السلام كذا في التأويلات النجمية.
وقال أهل التفسير : الباء متعلق بتخرج أي تخرج منها إليه لكن لا كيف ما كان فإنك لا تهدي من أحببت بل بإذن ربهم فإنه لا يهتدي مهتد إلا بإذن ربه أي بتيسيره وتسهيله ولما كان الإذن من أسباب التيسير أطلق عليه فإن التصرف في ملك الغير متعذر فإذا أذن تسهل وتيسر.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٩٢
واعلم أن الدعوة عامة الهداية خاصة كما قال تعالى : والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}(يونس : ٢٥) وإذن الله شامل لجميع الناس في الظلمات إذ المقصود من إيجاد العوالم وإنشاء النشئات كلها ظهور الإنسان الكامل وقد حصل وهو الواحد الذي كالألف وهو السواد الأعظم فلا تقتضي الحكمة اتفاق الكل على الحق لأنتعالى جمالاً وجلالاً لا بد لكليهما من أثر.
در كار خانه عشق ز كفرنا كزيرست
آتش كرا بسوزد كر بولهب نباشد
﴿إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ بدل من قوله إلى النور بتكرير العامل وإضافة الصراط إلى العزيز وهو الله على سبيل التعظيم له، والمراد دين الإسلام فإنه طريق موصل إلى الجنة والقربة والوصلة، والعزيز الغالب الذي ينتقم لأهل دينه من أعدائهم، والحميد المحمود الذي يستوجب
٣٩٣
بذلك الحمد من عباده.
وفيه إشارة إلى أن العبور على الظلمات الجسمانية والأنوار الروحانية هو الطريق إلى الله تعالى وهو العزيز الذي لا يصل العبد إليه إلا بالخروج من هذه الحجب وهو الحميد الذي يستحق من كمالية جماله وجلاله أن يحتجب بحجب العزة والكبرياء والعظمة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٩٢
﴿اللَّهُ﴾ بالجر عطف بيان للعزيز الحميد، لأنه علم للذات الواجب الوجود الخالق للعالم.
الذي له ما في السموات وما في الأرض من الموجودات من العقلاء وغيرهم.
وفيه إشارة إلى أن سير السائرين إلى الله لا ينتهي بالسير في الصفات وهي العزيز الحميد وإنما ينتهي بالسير في الذات وهو الله، فالمكونات أفعاله فمن بقي في أفعاله لا يصل إلى صفاته ومن بقي في صفاته لا يصل إلى ذاته ومن وصل إلى ذاته وصولاً بلا اتصال ولا انفصال بل وصولاً بالخروج من أنانيته إلى هويته تعالى ينتفع به في صفاته وأفعاله.
قال الكمال الخجندي قدس سره :
وصل ميسر نشود جز بقطع
قطع نخست ازهمه ببر يدنست
وقال المولى الجامي قدس سره :
سبحانك لا علم لنا إلا ما
علمت والهمت لنا الهاماً
ما را برهان زما وآكاهى ده
از سر معيني كه داري باما
وويل الويل الهلاك.
وقال الكاشفي :(رنج ومشقت) وهو مبتدأ خبره قوله للكافرين بالكتاب وأصله النصب كسائر المصادر إلا أنه لم يشتق منه فعل لكنه عدل به إلى الرفع للدلالة على معنى ثبات الهلاك ودوامه للمدعو عليه فيقال ويل لهم كسلام عليكم.
من عذاب شديد من لتبيين الجنس صفة لويل أو حال من ضميره في الخبر أو ابتدائية متعلقة بالويل على معنى أنهم يولون من عذاب شديد ويضجون منه ويقولون يا ويلاه كقوله تعالى : دعوا هنالك ثبورا}(الفرقان : ١٣).