﴿الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا عَلَى الاخِرَةِ﴾ محل الموصول الجر على أنه بدل من الكافرين أو صفة له.
والاستحباب استفعال من المحبة.
والمعنى يختارون الحياة الدنيا ويؤثرونها على الحياة الآخرة الأبدية فإن المؤثر للشيء على غيره كأنه يطلب من نفسه أن يكون أحب إليها وأفضل عندها من غيره.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : يأخذون ما تعجل فيها تهاوناً بأمر الآخرة وهذا من أوصاف الكافر الحقيقي فإنه يجد ويجتهد في طلب الدنيا وشهواتها ويترك الآخرة بإهمال السعي في طلبها واحتمال الكلفة والمشقة في مخالفة هوى النفس وموافقة الشرع، فينبغي للمؤمن الحقيقي أن لا يرضى باسم الإسلام ولا يقنع بالإيمان التقليدي فإنه لا يخلو عن الظلمات بخلاف الإيمان الحقيقي فإنه نور محض وليس فيه تغيير أصلاً.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٩٤
كي سيه كردد زآتش روى خوب
كونهد كلكونه از تقوى القلوب
ويصدون عن سبيل الله أي : ويمنعون الناس عن قبول دين الله.
وفيه إشارة إلى أن أهل الهوى يصرفون وجوه الطالبين عن طلب الله، ويقطعون عليهم طريق الحق في صورة النصيحة ويلومون الطلاب على ترك الدنيا والعزلة والعزوبة والانقطاع عن الخلق للتوجه إلى الحق ويبغونها أي ويبغون لها فحذف الجار وأوصل الفعل إلى الضمير، أي يطلبون لها عوجا زيغا واعوجاجاً، أي يقولون لمن يريدون صده وإضلاله إنها سبيل
٣٩٤
ناكبة وزائغة غير مستقيمة (يعني اين راه كج است وبمنزل مقصود نميرسد).
والزيغ الميل عن الصواب والنكوب الاعراض أولئك الموصوفون بالقبائح المذكورة.
في ضلال بعيد أي : ضلوا عن طريق الحق ووقعوا عنه بمراحل، والبعد في الحقيقة من أحوال الضال، لأنه هو الذي يتباعد عن الطريق فوصف به فعله مجازاً للمبالغة وفي جعل الضلال محيطاً بهم إحاطة الظرف بما فيه ما لا يخفى من المبالغة وليس في طريق الشيطان فوق من هو ضال ومضل كما أنه ليس في طريق الرحمن فوق من هو مهتد وهاد وقد أشير إلى كليهما في هذه الآيات فإن إنزال الكتاب على رسول الله إشارة إلى اهتدائه به كما قال تعالى في مقام الامتنان ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان وقوله لتخرج صريح في هدايته وإرشاده ولكل وارث من ورثته الأكملين حظ، أوفى من هذين المقامين وهم المظاهر للاسم الهادي، وقوله تعالى يستحبون ويصدون إشارة إلى الضلال والاضلال وهم ورثة الشيطان في ذلك أي المظاهر للاسم المضل.
فعلى العاقل أن يحقق إيمانه بالذكر الكثير وينقطع من الدنيا وما فيها إلى العليم الخبير.
وسئل سلطان العارفين أبو يزيد البسطامي قدس سره عن السنة والفريضة فقال : السنة ترك الدنيا والفريضة الصحبة مع المولى لأن السنة كلها تدل على ترك الدنيا والكتاب كله يدل على صحبة المولى فمن عمل بالسنة والفريضة فقد كملت النعمة في حقه ووجب عليه الشكر الكثير شرفنا الله وإياكم بالسلوك إلى طريق الأخيار والأبرار.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٩٤
[النساء : ٦٤]﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ﴾ (درزاد المسير آورده كه قريش ميكفتند ه حالتست كه همه كتب منزل بلغة عجمي فرود آمده وكتابي كه بمحمد مي آيد عربيست آيت آمدكه) وما أرسلنا من رسول إلا ملتبساً بلسان قومه لفظ اللسان يستعمل فيها هو بمعنى العضو وبمعنى اللغة والمراد هنا هو الثاني أي بلغة قومه الذين هو منهم وبعث فيهم (يعني كروهى كه اواز ايشان زاده ومبعوث شده بديشان ه هريغمبرى را اول دعوت نزديكان خود بايد كرد) ويدل عليه قوله تعالى : وإلى عاد أخاهم هودا}(هود : ٥٠) ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا﴾ (الأعراف : ٧٣) ونحو ذلك ولا ينتقض بلوط عليه السلام فإنه تزوج منهم وسكن فيما بينهم فحصل المقصود الذي هو معرفة قومه بلسانه وديانته، وعمم المولى أبو السعود حيث قال إلا ملتبساً بلسان قومه متكلماً بلغة من أرسل إليهم من الأمم المتفقة على لغة، سواء بعث فيهم أم لا انتهى ﴿لِيُبَيِّنَ﴾ أي لقومه ما دعوا إليه وأمروا بقبوله فيفقهوه عنه بسهولة وسرعة ثم ينقلوه ويترجموه لغيرهم فإنهم أولى الناس بأن يدعوهم وأحق بأن ينذرهم ولذلك أمر النبي عليه السلام بإنذار عشيرته أولاً ولقد بعث عليه السلام إلى الناس جميعاً بل إلى الثقلين ولو نزل الله كتبه بألسنتهم مع اختلافها وكثرتها استقل ذلك بنوع من الإعجاز لكن أدى إلى التنازع واختلاف الكلمة وتطرق أيدي التحريف، وإضاعة فضل الاجتهاد في تعلم الألفاظ ومعانيها والعلوم المتشعبة منها وما في أتعاب النفوس وكذا القرائح فيه من القرب والطاعات المقتضية لجزيل الثواب وأيضاً لما جعله الله تعالى سيد الأنبياء وخيرهم وأشرفهم وشريعته خير الشرائع وأشرفها وأمته خير الأمم
٣٩٥


الصفحة التالية
Icon