قال الإمام الغزالي ـ ـ كرم الله وجهه ـ ـ : من عرف الله بالجسم فهو كافر ومن عرف الله بالطبيعة فهو ملحد ومن عرف الله بالنفس فهو زنديق ومن عرف الله بالعقل فهو حكيم ومن عرف الله بالقلب فهو صديق ومن عرف الله بالسر فهو موقن ومن عرف الله بالروح فهو عارف ومن عرف الله بالخفي فهو مفرد ومن عرف الله بالله فهو موحد أي بالتوحيد الحقيقي.
طالب توحيدرا بايدقدم بر "لا" زدن
بعد زان در عالم وحدت دم "الا" زدن
رنك وبويي از حقيقت كربدست آورده
ون كل صد برك بايد خيمه بر صحرازدن
وإنما منع الأغيار من شهود الآثار غيرة من الله العزيز القهار
معشوقعيان ميكذرد برتو وليكن
اغيار همي بيند ازان بسته نقابست
ومعنى الوحدة الحاصلة بالتوحيد زوال الوجود المجازي الموهم للاثنينية وظهور الوجود الحقيقي على ما كان عليه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٩٥
هرموج ازين محيط أنا البحر ميزند
كرصد هزاردست بر آيد دعا يكيست
حققنا الله وإياكم بحقائق التوحيد ووصلنا وإياكم إلى سر التجريد والتفريد وجعلنا من المهديين الهادين وإلى طريق الحق داعين.
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى﴾ ملتبساً بآياتنا يعني اليد والعصا وسائر معجزاته الدالة على صحة نبوته أن مفسرة لمفعول مقدر للفظ دال على معنى القول مؤد معناه أي أرسلناه بأمر هو أخرج قومك من الظلمات من أنواع الضلال التي كلها ظلمات محض كالكفر والجهالة والشبهة ونحوها إلى النور إلى الهدى كالإيمان والعلم واليقين وغيرها.
وقال المولى أبو السعود رحمه الله : الآيات معجزاته التي أظهرها لبني إسرائيل والمراد إخراجهم بعد مهلك فرعون من الكفر والجهالات التي أدتهم إلى أن يقولوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة إلى الإيمان بالله وتوحيده وسائر ما أمروا به
٣٩٧
انتهى.
يقول الفقير : قد تقرر أن القرآن يفسر بعضه بعضاً فقوله تعالى : ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملئه}(هود : ٩٦ ـ ـ ٩٧) ينادي بأعلى صوته على أن المراد بالآيات غير التوراة وبالقوم القبط وهم فرعون واتباعه وأن الآية محمولة على أول الدعوة ولما كان رسولنا صلى الله عليه وسلّم مبعوثاً إلى الكافة قال الله تعالى في حقه [إبراهيم : ١-٢٥]﴿لِتُخْرِجَ النَّاسَ﴾ ولم يقل لتخرج قومك كما خصص وقال هنالك بإذن ربهم وطواه هنا لأن الإخراج بالفعل قد تحقق في دعوته عليه السلام فكان أمته أمة دعوة وإجابة ولم يتحقق في دعوة موسى إذ لم يجبه القبط إلى أن هلكوا وإن أجابه بنوا إسرائيل والعمدة في رسالته كان القبط، ومن شأن الرسول تقديم الإنذار حين الدعوة كما قال نوح عليه السلام في أول الأمر.
إني لكم نذير مبين}(نوح : ٢) ولذا وجب حمل قوله تعالى :﴿وَذَكِّرْهُم بِأَيَّاامِ اللَّهِ﴾ على التذكير بالوقائع التي وقعت على الأمم الماضية قبل قوم نوح وعاد وثمود.
والمعنى وعظهم وأنذرهم مما كان في أيام الله من الوقائع ليحذروا فيؤمنوا كما يقال رهبوت خير من رحموت أي لأن ترهب خير من أن ترحم وأيام العرب ملاحمها وحروبها كيوم حنين ويوم بدر وغيرهما.
وقال بعضهم : ذكرهم نعمائي ليؤمنوا بي كما روى أن الله تعالى أوحى إلى موسى أن حببني إلى عبادي فقال يا رب كيف أحببك إلى عبادك والقلوب بيدك؟ فأوحى الله تعالى أن ذكرهم نعمائي ومن هنا وجب الكلام عند الكلام بما يرجح رجاءه فيقال له لا تحزن فقد وفقك الله للحج أو للغزو أو لطلب العلم أو نحو ذلك من وجوه الخير ولو لم يرد بك خيراً لما فعله في حقك فهذا تذكير أي تذكير وأيام الله في الحقيقة هي التي كان الله ولم يكن معه شيء من أيام الدنيا ولا من أيام الآخرة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٩٥
فعلى السالك أن يتفكر ثم يتذكر كونه في مكنون علم الله تعالى ويخرج من الوجود المجازي المقيد باليوم والليل ويصل إلى الوجود الحقيقي الذي لا يوم عنده ولا ليل إن في ذلك إشارة إلى أيام الله لآيات عظيمة أو كثيرة دالة على وحدانية الله وقدرته وعلمه وحكمته لكل صبار مبالغ في الصبر على طاعة الله وعلى البلايا شكور مبالغ في الشكر على النعم والعطايا كأنه قال لكل مؤمن كامل إذ الإيمان نصفان نصفه صبر ونصفه شكر، وتخصيص الآيات بهم لأنهم المنتفعون بها لا لأنها خافية عن غيرهم فإن التبيين حاصل بالنسبة إلى الكل وتقديم الصبر لكون الشكر عاقبته.
آخر هركريه آخر خنده ايست
فالمنذرون المذكرون بالكسر صبروا على الأذى والبلاء فظفروا والعاقبة للمتقين والمنذرون المذكورون بالفتح تمادوا في الغي والضلال فهلكوا ألا بعدا للقوم الظالمين.
وفي المثنوى :
عاقل از سر بنهد اين هستى وباد
ون شنيد انجام فرعونان وعاد
ورنه بنهد ديكران از حال او
عبرتي كيرند از اضلال او
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٩٥