﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾ أي اذكر للناس يا أفضل المخلوق وقت قول موسى لقومه، وهم بنو إسرائيل والمراد بتذكير الأوقات تذكير ما وقع فيها من الحوادث المفصلة، إذ هي محيطة بذلك فإذا ذكرت ذكر ما فيها كأنه مشهد معاين اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجيكم من آل فرعون أي إنعامه عليكم وقت إنجائه إياكم من فرعون وأتباعه وأهل دينه وهم القبط يسومونكم سوء العذاب استئناف لبيان انجائهم أو حال من آل فرعون.
قال
٣٩٨
في تهذيب المصادر (السوم : شانيدن عذاب وخواري) قال الله تعالى : يسومونكم سوء العذاب انتهى.
وفي بحر العلوم من سام السلعة إذا طلبها والمعنى.
يذيقونكم أو يبغونكم شدة العذاب ويريدونكم عليه، والسوء مصدر ساء يسوء وهو اسم جامع للآفات كما في التبيان والمراد جنس العذاب السيء أو استعبادهم واستعمالهم في الأعمال الشاقة والاستهانة بهم وغير ذلك مما لا يحصر ويذبحون أبناءكم المولودين من عطف الخاص على العام كأن التذبيح لشدته وفظاعته وخروجه عن مرتبة العذاب المعتاد جنس آخر ولو جاء بحذف الواو كما في البقرة والأعراف لكان تفسيراً للعذاب وبياناً له، وإنما فعلوا لأن فرعون رأى في المنام أن ناراً أقبلت من نحو بيت المقدس فأحرقت بيوت القبط دون بيوت بني إسرائيل فخوفه الكهنة وقالوا له إنه سيولد منهم ولد يكون على يده هلاكك وزوال ملكك فشمر عن ساق الاجتهاد وحسر عن ذراع العناد وأراد أن يدفع القضاء وظهوره ويأبى الله إلا أن يتم نوره.
صعوه كه باعقاب سازد جنك
دهد از خون خود رش را رنك
ويستحيون نساءكم أي يبقون نساءكم وبناتكم في الحياة للاسترقاق والاستخدام وكانوا يفردون النساء عن الازواج، وذلك من أعظم المضار والابتلاء ؛ إذ الهلاك أسهل من هذا.
وفي ذلكم أي فيما ذكر من أفعالهم الفظيعة.
بلاء من ربكم عظيم أي محنة عظيمة لا تطاق.
فإن قلت : كيف كان فعل آل فرعون بلاء من ربهم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٩٨
قلت : أقدار الله إياهم وإمهالهم حتى فعلوا ما فعلوا ابتلاء من الله ويجوز أن يكون المشار إليه الانجاء من ذلك، والبلاء الابتلاء بالنعمة كما قال تعالى : ونبلونكم بالشر والخير فتنة}(الأنبياء : ٣٥) والله تعالى يبلو عباده بالشر ليصبروا فيكون محنة وبالخير ليشكروا فيكون نعمة.
﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ﴾ من جملة مقال موسى لقومه معطوف على نعمة أي اذكروا نعمة الله عليكم واذكروا حين تأذن وتأذن بمعنى آذان أي علم أعلاماً بليغاً لا يبقى معه شائبة شبهة أصلاً، لما في صيغة التفعل من معنى التكلف المحمول في حقه تعالى على غايته التي هي الكمال.
وقال الخليل : تأذن لكذا أوجب الفعل على نفسه.
والمعنى أوجب ربكم على نفسه لئن شكرتم اللام لام التوطئة وهي التي تدخل على الشرط، تقدم القسم لفظاً أو تقديراً لتؤذن أن الجواب له لا للشرط وهو مفعول تأذن على أنه أجرى مجرى قال، لأنه ضرب من القول أو مقول قول محذوف.
والمعنى وإذ تأذن ربكم فقال لئن شكرتم يا بني إسرائيل نعمة الانجاء وإهلاك العدو وغير ذلك وقابلتموها بالثبات على الإيمان والعمل الصالح لأزيدنكم نعمة إلى نعمة ولا ضاعفن لكم ما آتيتكم واللام ساد مسد جواب القسم والشرط جميعاً.
قال الكاشفي :(شيخ عبد الرحمن سلمى قدس سره از أبو علي جرجاني قدس سره اكر شكر كنيد بر نعمت اسلام زيادة كنم آنرا بايمان واكر ساس داري كنيد برايمان افزون كردانم باحسان واكر بران شكر كوييد زيادة ازم آنرا بمعرفت واكر بر آن شاكر باشيد برسانم بمقام وصلت واكر آنرا شكر كوييد بالأبرم بدرجه قربت وبشكران نعمت در آرم بخلوتكاه أنس ومشاهده وازين كلام حقائق اعلام معلوم ميشود كه شكر مرقات ترقى ومعراج تصاعد بر در جاتست).
وفي المثنوى :
٣٩٩
شكر نعمت نعمتت افزون كند
كس زيان بر شكر كفتى ون كند
شكر باشد دفع علتهاى دل
سود دارد شاكر از سوداي دل
وقال في التأويلات : النجمية لئن شكرتم التوفيق لأزيدنكم في التقرب إليّ ولئن شكرتم التقرب إليّ لأزيدنكم في تقربي إليكم ولئن شكرتم تقربي إليكم لأزيدنكم في المحبة ولئن شكرتم المحبة لازيدنكم في محبتي لكم ولئن شكرتم محبتي لازيدنكم في الجذبة إليّ ولئن شكرتم الجذبة لأزيدنكم في البقاء ولئن شكرتم البقاء لأزيدنكم في الوحدة ولئن شكرتم الوحدة لأزيدنكم في الصبر على الشكر والشكر على الصبر والصبر على الصبر والشكر على الشكر لتكونوا صبارا شكوراً ولئن كفرتم أي لم تشكروا نعمتي وقابلتموها بالنسيان والكفران أي لأعذبنكم فيكون قوله إن عذابي لشديد تعليلاً للجواب المحذوف أو فعسى يصيبكم منه ما يصيبكم ومن عادة الكرام التصريح بالوعد والتعريض بالوعيد فما ظنك بأكرم الأكرمين حيث لم يقل إن عذابي لكم ونظيره قوله تعالى : نبىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٩٨


الصفحة التالية
Icon