قال سعدي المفتي : ثم المعهود في القرآن أنه إذا ذكر الخير أسنده إلى ذاته تعالى وتقدس وإذا ذكر العذاب بعده عدل عن نسبته إليه وقد جاء التركيب هنا على ذلك أيضاً فقال في الأول لأزيدنكم وفي الثاني إن عذابي لشديد ولم يأت التركيب لأعذبنكم انتهى.
ثم إن شدة العذاب في الدنيا بسلب النعم وفي العقبى بعذاب جهنم.
وفي التأويلات النجمية : إن عذاب مفارقتي بترك مواصلتي لشديد فإن فوات نعيم الدنيا والآخرة شديد على النفوس وفوات نعيم المواصلات أشد على القلوب والأرواح.
قال في بحر العلوم لقد كفروا نعمه حيث اتخذوا العجل وبدلوا القول فعذبهم بالقتل والطاعون.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه : قال من رزق ستاً لم يحرم ستاً، من رزق الشكر، لم يحرم الزيادة لقوله تعالى : لئن شكرتم لأزيدنكم ومن رزق الصبر لم يحرم الثواب لقوله تعالى : إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}(الزمر : ١٠).
قال الموفى الجامي :
اكر زسهم حوادث مصيبتي رسدت
درين نشمين حرمان كه موطن خطرست
مكن بدست جزع خرقه صبوري اك
كه فوت اجر مصيبت مصيبت دكرست
ومن رزق التوبة لم يحرم القبول لقوله تعالى :﴿وَهُوَ الَّذِى يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ﴾ (الشورى : ٢٥) ومن رزق الاستغفار لم يحرم المغفرة لقوله تعالى :﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّه كَانَ غَفَّارًا﴾ (نوح : ١٠) من رزق الدعاء لم يحرم الإجابة لقوله تعالى :﴿ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ (غافر : ٦٠) وذلك لأن الله تعالى لا يمكن العبد من الدعاء إلا لإجابته ومن رزق النفقة لم يحرم الخلف لقوله تعالى :﴿وَمَآ أَنفَقْتُم مِّن شَىْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ (سيأ : ٣٩).
وفي "المثنوى" :
كفت يغمبر كه دائم بهر ند
دو فرشته خوش منادى مى كنند
كاي خدايا منفقانرا سير دار
هر درمشانرا عوض ده صد هزار
اي خايا ممسكانرا در جهان
تومده إلا زيان اندر زيان
فعلى العاقل أن يشكر النعمة ويرجو من الله الملك القادر الخالق الرزاق أن لا يفتر القلب واللسان واليد من الفكر والذكر والانفاق.
ولقد ترك بلعم بن باعورا شكر نعمة الإسلام
٤٠٠
والإيمان فعوقب بالحرمان ونعوذ بالله من الخذلان اللهم اجعلنا من الذاكرين الشاكرين والمطيعين الصابرين القانعين إنك أنت المعين في كل حين آمين.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٩٨
﴿وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُوا﴾ نعمه تعالى ولم تشكروها.
أنتم يا بني إسرائيل ومن في الأرض من الثقلين جميعاً حال من المعطوف والمعطوف عليه.
فإن الله تعليل للجواب المحذوف، أي إن تكفروا لم يرجع وباله إلا عليكم فإن الله لغنى عن شكركم وشكر غيركم حميد محمود في ذاته وصفاته وأفعاله لا تفاوت له بإيمان أحد ولا كفره.
قال الكاشفي :(ذرت مخلوقات بنعمت او ناطق والسنه جميع اشيا بتسبيح وحمداو جارى)
بذكرش جمله ذرات كويا
همه اورا زروى شوق جويا
قال السعدي قدس سره :
بذكرش هر.
ه بيني درخروشست
دلى داند درين معنى كه كوشست
نه بلبل بركلش تسبيح خوانيست
كه هر خارى بتوحيدش زبانيست
ألم يأتكم من كلام موسى، استفهم عن انتفاء الإتيان على سبيل الإنكار فأفاد إثبات الإتيان وإيجابه فكأنه قيل أتاكم.
نبؤا الذين من قبلكم أي أخبارهم قوم نوح اغرقوا بالطوفان حيث كفروا ولم يشكروا نعم الله، وقوم نوح بدل من الموصول وعاد أهلكوا بالريح معطوف على قوم نوح.
وثمود أهلكوا بالصيحة والذين من بعدهم من بعد هؤلاء المذكورين من قوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات وغير ذلك، وهو عطف على قوم نوح وما عطف عليه لا يعلمهم إلا الله اعتراض أي لا يعلم عدد تلك الأمم لكثرهم ولا يحيط بذواتهم وصفاتهم وأسمائهم وسائر ما يتعلق بهم إلا الله تعالى فإنه انقطعت أخبارهم وعفت آثارهم وكان مالك بن أنس يكره أن ينسب الإنسان نفسه أباً أباً إلى آدم وكذا في حق النبي عليه السلام لأن أولئك الآباء لا يعلم أحد إلا الله وكان ابن مسعود رضي الله عنه إذا قرأ هذه الآية قال كذب النسابون يعني أنهم يدعون علم الأنساب وقد نفى الله علمها عن العباد.
وقال في التبيان النسابون وإن نسبوا إلى آدم فلا يدعون إحصاء جميع الأمم انتهى.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ما بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أبا أي قرناً لا يعرفون، وقيل أربعون، وقيل سبعة وثلاثون.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٠١
وفي النهر : لأبي حيان إن إبراهيم عليه السلام هو الجد الحادي والثلاثون لنبينا عليه السلام.
قال في إنسان العيون : كان عدنان في زمن موسى عليه السلام وهو النسب المجمع عليه لنبينا عليه السلام وفيما قبله إلى آدم اختلاف، سبب الاختلاف فيما بين عدنان وآدم أن قدماء العرب لم يكونوا أصحاب كتب يرجعون إليها وإنما كانوا يرجعون إلى حفظ بعضهم من بعض.