وفي التأويلات النجمية : يدعوكم من المكونات إلى المكون لا لحاجته إليكم بل لحاجتكم إليه ليغفر لكم بصفة الغفارية من ذنوبكم التي أصابتكم من حجب ظلمات خلقية السموات والأرض فاحتجبتم بها عنه ويؤخركم إلى أجل مسمى إلى وقت سماه الله وجعله آخر أعماركم يبلغكموه إن آمنتم وإلا عاجلكم بالهلاك قبل ذلك الوقت فهو مثل قوله عليه السلام الصدقة تزيد في العمر فلا يدل على تعدد الأجل كما هو مذهب أهل الاعتزال قالوا للرسل وهو استئناف بياني إن أنتم أي ما أنتم في الصورة والهيئات.
إلا بشر آدميون مثلنا من غير فضل يؤهلكم لما تدعون من النبوة فلم تخصون بالنبوة دوننا، ولو شاء الله أن يرسل إلى البشر رسلاً لأرسل من جنس أفضل منهم وهم الملائكة على زعمهم من حيث عدم التدنس بالشهوات وما يتبعها تريدون بدعوى النبوة أن تصدونا تصرفونا بتخصيص العبادة بالله عما كان يعبد آباؤنا أي عن عبادة ما استمر آباؤنا على عبادته وهو الأصنام من غير شيء يوجبه وإن لم يكن الأمر كما قلنا بل كنتم رسلاً من جهة الله كما تدعونه فائتونا (س بياريد) بسلطان مبين ببرهان ظاهر على صدقكم وفضلكم واستحقاقكم لتلك الرتبة حتى نترك ما لم نزل نعبده أبا عن جد، كأنهم لم يعتبروا ما جاءت به رسلهم من الحجج والبينات واقترحوا عليهم آية أخرى تعنتا ولجاجاً.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٠٢
قالت لهم رسلهم زاد لفظ لهم لاختصاص الكلام بهم حيث أريد الزامهم بخلاف ما سلف من إنكار وقوع الشك في الله فإن ذلك عام وإن اختص بهم ما يعقبه أي قالوا لهم معترفين بالبشرية ومشيرين إلى منة الله عليهم.
إن ما نحن إلا بشر مثلكم كما تقولون لا ننكره ولكن الله يمن ينعم بالنبوة والوحي على من يشاء من عباده وفيه دلالة على أن النبوة عطائية كالسلطنة، لا كسبية كالولاية والوزارة وما كان وما صح وما استقام لنا أن نأتيكم بسلطان أي بحجة من الحجج فضلاً عن السلطان المبين بشيء من الأشياء، وسبب من الأسباب.
إلا بإذن الله فإنه أمر يتعلق بمشيئة الله إن شاء كان وإلا فلا تلخيصه إنما نحن عبيد مربوبون.
ناتواني وعجز لازم ماست
قدرت واختار ازان خداست
كارهارا بحكم راست كند
اوتوانست هره خواست كند
وعلى الله دون ما عداه مطلقاً فليتوكل المؤمنون وحق المؤمنين أن لا يتوكلوا على غير الله فليتوكل على الله في الصبر على معاندتكم ومعاداتكم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٠٢
﴿وَمَا لَنَآ﴾ أي : أيُّ عذر ثبت لنا أن لا نتوكل على الله أي في أن لا نتوكل عليه وقد هدينا سبلنا أي والحال أنه أرشد كلاً منا سبيله ومنهاجه الذي شرع له وأوجب عليه سلوكه في الدين وهو موجب للتوكل ومستدع له.
قال في التأويلات : وهي الإيمان والمعرفة والمحبة فإنها سبل الوصول ومقاماته انتهى وحيث كانت أذية الكفار مما يوجب الاضطراب القادح في التوكل قالوا على سبيل التوكيد
٤٠٣
القسمي مظهرين لكمال العزيمة ولنصبرن على ما آذيتمونا في أبداننا وأعراضنا أو بالتكذيب ورد الدعوة والإعراض عن الله والعناد واقتراح الآيات وغير ذلك مما لا خير فيه وهو جواب قسم محذوف وعلى الله خاصة فليتوكل المتوكلون أي فليثبت المتوكلون على ما أحدثوه من التوكل المسبب عن الإيمان فالأول لإحداث التوكل والثاني للثبات عليه فلا تكرار.
والتوكل تفويض الأمر إلى من يملك الأمور كلها وقالوا المتوكل من إن دهمه أمر لم يحاول دفعه عن نفسه بما هو معصية الله فعلى هذا إذا وقع الإنسان في شدة ثم سأل غيره خلاصه لم يخرج من حد التوكل لأنه لم يحاول دفع ما نزل به عن نفسه بمعصية الله.
وفي التأويلات النجمية للتوكل مقامات، فتوكل المبتدىء قطع النظر عن الأسباب في طلب المرام ثقة بالمسبب وتوكل المتوسط قطع تعلق الأسباب بالمسبب وتوكل المنتهي قطع التعلق بما سوى الله للاعتصام بالله انتهى.
قال القشيري رحمه الله : وما لنا أن لا نتوكل على الله وقد حقق لنا ما سبق به الضمان من وجوه الإحسان وكفاية ما أظلنا من الامتحان ولنصبرن على ما آذيتمونا والصبر على البلاء يهون على رؤية المبلى وأنشدوا في معناه.
مر ما مر بي لأجلك حلو
وعذابي لأجل حبك عذب
قال الحافظ :
اكر بلطف بخواني مزيد الطافست
وكر بقهر براني درون ما صافست
قيل لما قدم الحلاج لتقطع يده فقطعت يده اليمنى أولاً ضحك، ثم قطعت اليسرى فضحك ضحكاً بليغاً، فخاف أن يصفر وجهه من نزف الدم فاكب بوجهه على الدم السائل ولطخ وجهه وبدنه وأنشأ يقول :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٠٣
الله يعلم أن الروح قد تلفت
شوقاً إليك ولكني أمنيها
ونظرة منك يا سؤلي ويا أملي
أشهر إليّ من الدنيا وما فيها
يا قوم إني غريب في دياركمو
سلمت روحى إليكم فاحكموا فيها
لم أسلم النفس للأسقام تتلفها
إلا لعلمي بأن الوصل يحييها
نفس المحب على الآلام صابرة
لعل مسقما يوماً يداويها


الصفحة التالية
Icon