ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : يا مولاي إني غريب في عبادك وذكرك أغرب مني والغريب يألف الغريب ثم ناداه رجل : قال يا شيخ ما العشق؟ قال : ظهره ما ترى وباطنه دق عن الورى.
ومن لطائف هذه الآية الكريمة ما روى المستغفري عن أبي ذر رفعه إذا آذاك البرغوت فخذ قدحاً من ماء وأقرأ عليه سبع مرات وما لنا ألا نتوكل على الله الآية ثم قل إن كنتم مؤمنين فكفوا شركم وأذاكم عنا ثم رشه حول فراشك فإنك تبيت آمنا من شرهم.
ولابن أبي الدنيا في التوكل له، أن عامل أفريقية كتب إلى عمر بن عبد العزيز يشكو إليه الهوام والعقارب فكتب إليه وما على أحدكم إذا أمسى وأصبح أن يقول وما لنا أن لا نتوكل على الله الآية.
قال زرعة بن عبد الله : أحد رواته وينفع من البراغيث كذا في المقاصد الحسنة.
قال بعض العارفين : إن مما أخذ الله على الكلب إذا قرىء عليه وكلبهم باسط ذرعيه بالوصيد لم يؤذ ومما أخذ الله على
٤٠٤
العقرب أنه إذا قرىء عليها سلام على نوح في العالمين لم تؤذ ومما أخذ الله على البراغيث وما لنا أن لا نتوكل على الله الآية ومن أراد الأمن من شرها فليأخذ ماء ويقرأ عليه هذه الآية سبع مرات ثم ليقل سبع مرات إن كنتم آمنتم بالله فكفوا شركم عنا أيتها البراغيث ويرشه حول مرقده.
غنيمت شمارند مردان دعا
كه وشن بود يش تيربلا
وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا من مدينتنا وديارنا أو لتعودن في ملتنا عاد بمعنى صار والظرف خبر أي لتصيرن في أهل ملتنا فإن الرسل لم يكونوا في ملتهم قط إلا أنهم لما لم يظهروا المخالفة لهم قبل الاصطفاء اعتقدوا أنهم على ملتهم فقالوا ما قالوا على سبيل التوهم أو بمعنى رجع والظرف صلة والخطاب لكل رسول ومن آمن به فغلبوا في الخطاب الجماعة على الواحد أي لتدخلن في ديننا وترجعن إلى ملتنا وهذا كله تعزية للنبي عليه السلام ليصبر على أذى المشركين كما صبر من قبله من الرسل فأوحى إليهم أي : إلى الرسل ربهم مالك أمرهم عند تناهي كفر الكفرة بحيث انقطع الرجاء عن إيمانهم، وقال : لنهلكن الظالمين أي المشركين فإن الشرك لظلم عظيم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٠٣
﴿وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الارْضَ﴾ أي أرض الظالمين وديارهم من بعدهم أي من بعد إهلاكهم عقوبة لهم على قولهم لنخرجنكم من أرضنا وفي الحديث من آذى جاره ورثه الله داره قال الزمخشري في الكشاف ولقد عاينت هذه في مدة قريبة كان لي خال يظلمه غظيم القرية التي أنا منها ويؤذيني فيه فمات ذلك العظيم وملكني الله ضيعته فنظرت يوماً إلى أبناء خالي يترددون فيها ويدخلون في داره ويخرجون ويأمرون وينهون فذكرت قول رسول الله : من آذى جاره ورثه الله داره وحدثتهم وسجدنا شكر الله تعالى.
قال السعدي قدس سره :
تحمل كن أي ناتوان از قوى
كه روزى تواناتر ازوى شوى
لب خشك مظلوم ركو بخند
كه دندان ظالم بخواهند كند
ذلك إشارة إلى الموجب به وهو إهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين ديارهم أي ذلك الأمر والوعد محقق ثابت لمن خاف الخوف غم يلحق لتوقع المكروه مقامي موقفي وهو موقف الحساب لأنه موقف الله الذي يقف فيه عباده يوم القيامة يقومون ثلاثمائة عام لا يؤذن لهم فيقعدون أما المؤمنون فيهوّن عليهم كما يهوّن عليهم الصلاة المكتوبة ولهم كراسي يجلسون عليها ويظلل عليهم الغمام ويكون يوم القيامة عليهم ساعة من نهار.
قال في التأويلات لنجمية العوام يخافون دخول النار والمقام فيها والخواص يخافون فوات المقام في الجنة لأنها دار المقامة، وأخص الخواص يخافون فوات مقام الوصول وخاف وعيد بحذف الياء اكتفاء بالكسرة أي وعيدي بالعذاب وعقابي.
والمعنى أن ذلك حق لمن جمع بين الخوفين أي للمتقين كقوله : والعاقبة للمتقين}(الأعراف : ١٣٨).
﴿وَاسْتَفْتَحُوا﴾ معطوف على فأوحى والضمير للرسل أي استنصروا الله وسألوه الفتح والنصرة على أعدائهم أو للكفار وخاب كل جبار عنيد أي فنصروا عند استفتاحهم وظفروا بما سألوا وأفلحوا وخسر وهلك عند نزول
٤٠٥
العذاب قومهم المعاندون فالخيبة بمعنى مطلق الحرمان دون الحرمان من المطلوب وإن كان الاستفتاح من الكفرة فهي بمعنى الحرمان من المطلوب غب الطلب وهو أوقع حيث لم يحصل ما توقعوه لأنفسهم إلا لأعدائهم وهذا كمال الخيبة التي عدم نيل المطلوب وإنما قيل وخاب كل جبار عنيد ذماً لهم وتسجيلاً عليهم بالتجبر والعناد لا أن بعضهم ليسوا كذلك وأنه لم تصبهم الخيبة والجبار الذي يجبر الخلق على مراده والمتكبر عن طاعة الله والمتعظم الذي لا يتواضع لأمر الله.
والعنيد بمعنى المعاند الذي يأبى أن يقول لا إله إلا الله أو المجانب للحق المعادي لأهله.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٠٥
وقال الكاشفي :(نوميد ماند وبى بهره كشت از خلاص هر كرد نكشى كه ستيزنده شود بحق يا معرض از طاعت او).