قال الإمام الدميري في حياة الحيوان : حكى الماوردي في كتاب أدب الدنيا والدين أن الوليد بن يزيد بن عبد الملك تفاءل يوماً في المصحف فخرج قوله تعالى : واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد فمزق المصحف وأنشأ يقول :
أتوعد كل جبار عنيد
فها أنا ذاك جبار عنيد
إذا ما جئت ربك يوم حشر
فقل يا رب مزقني الوليد
فلم يلبث أياماً حتى قتل شرّ قتلة وصلب رأسه على قصره ثم على سور بلده انتهى.
قال في إنسان العيون : مروان كان سبباً لقتل عثمان رضي الله عنه وعبد الملك ابنه كان سبباً لقتل عبد الله بن الزبير رضي الله عنه ووقع من الوليد بن يزيد بن عبد الملك الأمور الفظيعة انتهى.
يقول الفقير : رأى رسول الله بني أمية في صورة القردة فلعنهم فقال : ويل لبني أمية ثلاث مرات ولم يجيء منهم الخير والصلاح إلا من أقل القليل وانتقلت دولتهم بمعاونة أبي مسلم الخراساني إلى آل العباس وقد رآهم رسول الله يتعاورون منبره فسره ذلك وتفصيله في كتاب السير والتواريخ.
من ورائه جهنم هذا وصف حال كل جبار عنيد وهو في الدنيا أي بين يديه وقدامه فإنه معد لجهنم واقف على شفيرها في الدنيا مبعوث إليها في الآخرة أو من وراء حياته وهو ما بعد الموت فيكون وراء بمعنى خلف كما قال الكاشفي :(ازس او دورخست يعني در روز حشر رجوع أو بدان خواهد بود) وحقيقته ما تواري عنك واحتجب واستتر فليس من الأضداد بل هو موضع لا مرعام يصدق على كل من الضدين.
وقال المطرزي : في الوراء فعال ولامه همزة عند سيبويه وأبي علي الفارسي، وياء عند العامة وهو من ظروف المكان بمعنى خلف وقدام وقد يستعار للزمان.
ويسقى عطف على مقدر جواباً عن سؤال سائل كأنه قيل فماذا يكون إذن، فقيل يلقى فيها ويسقى من ماء مخصوص لا كالمياه المعهودة صديد هو القيح المختلط بالدم أو ما يسيل من أجساد أهل النار وفروج الزناة وهو عطف بيان لماء أبهم أولاً ثم بين بالصديد تعظيماً وتهويلاً لأمره وتخصيصه بالذكر من بين عذابها يدل على أنه من أشد أنواعه أو صفة عند من لا يجيز عطف البيان في النكرات وهم البصريون فإطلاق الماء عليه لكونه بدله في جهنم ويجوز أن يكون الكلام من قبيل زيد أسد فالماء على حقيقته كما قال أبو الليث ويقال ماء كهيئة الصديد وفي الحديث : من فارق الدنيا وهو سكران دخل القبر سكران وبعث من قبره سكران وأمر به إلى النار سكران فيها عين
٤٠٦
يجري منها القيح والدم هو طعامهم وشرابهم ما دامت السماوات والأرض.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٠٥
﴿يَتَجَرَّعُهُ﴾ استئناف بياني كأنه قيل فماذا يفعل به فقيل يتجرعه وفي التفعل تكلف ومعنى التكلف أن الفاعل يتعانى ذلك الفعل ليحصل بمعاناته كتشجع، إذ معناه استعمل الشجاعة وكلف نفسه إياها لتحصل فالمعنى.
لغلبتة العطش واستيلاء الحرارة عليه يتكلف جرعه مرة بعد أخرى لا بمرة واحدة لمرارته وحرارته ورائحته المنتنة.
ولا يكاد يسيغه أي لا يقارب أن يسيغه ويبتلعه فضلاً عن الإساغة بل يغص به فيشربه باللتيا والتي، جرعة غب جرعة، فيطول عذابه تارة بالحرارة والعطش، وأخرى بشربه على تلك الحال فإن السوغ انحدار الشراب في الحلق بسهولة وقبول نفس، ونفيه لا يوجب نفي ما ذكر جميعاً وفي الحديث : إنه يقرب إليه فيتكرهه فإذا أدنى منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه فإذا شرب قطع أمعاءه حتى تخرج من دبره ويأتيه الموت أي : أسبابه من الشدائد والآلام من كل مكان ويحيط به من الجهات الست فالمراد بالمكان الجهة أو من كل مكان من جسده حتى من أصول شعره وإبهام رجله وهذا تفظيع لما يصيبه من الألم أي لو كان ثمة موت لكان واحد منها مهلكاً وما هو بميت أي والحال أنه ليس بميت حقيقة فيستريح ومن ورائه من بين يديه أي بعد الصديد.
وقال الكاشفي :(ودرس اوست باوجود نين محنتى كه) عذاب غليظ لا يعرف كنهه أي يستقبل كل وقت عذاباً أشد وأشق مما كان قبله ففيه رفع ما يتوهم من الخفة بحسب الاعتبار كما في عذاب الدنيا.
وعن الفضيل هو قطع الأنفاس وحبسها على الأجساد ولذا جاء الصلب أشد أنواع العذاب نعوذ بالله.
واستثنى من شدة العذاب عما النبي عليه السلام أبو لهب وأبو طالب.
أما أبو لهب فكان له جارية يقال لها ثويبة وهي أول من أرضعته عليه السلام بعد إرضاع أمه له فبشرته بولادته عليه السلام وقالت له أشعرت أن آمنة ولدت ولداً وفي لفظ غلاماً لأخيك عبد الله، فأعتقها أبو لهب وقال أنت حرة، فجوزي بتخفيف العذاب عنه يوم الاثنين بأن يسقى ماء في جهنم في تلك الليلة أي ليلة الاثنين في مثل النقرة التي بين السبابة والإبهام.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٠٧
وفي المواهب رؤى أبو لهب بعد موته في المنام فقيل له ما حالك؟ قال في النار إلا أنه يخفف عني كل ليلة اثنين وامص من بين اصبعي هاتين ماء وأشار برأس أصبعيه وأن ذلك باعتاقي لثويبة عند ما بشرتني بولادة النبي بإرضاعها له كذا في إنسان العيون.