وأما أبو طالب، فقال العباس رضي الله عنه : قلت يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك قال : نعم هو في ضحضاح من النار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار وفي الحديث : إن الكافر يخفف عنه العذاب بالشفاعة لعل هذا يكون مخصوصاً بأبي طالب كما في شرح المشارق لأبي الملك.
قال في إنسان العيون قبول شفاعته عليه السلام في عمه أبي طالب عدّ من خصائصه عليه السلام فلا يشكل بقوله تعالى : فما تنفعهم شفاعة الشافعين}(المدثر : ٤٨) وفي الحديث :"إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي وأمي وعمي أبي طالب وأخ لي كان في الجاهلية" يعني أخاه من الرضاعة من حليمة ويجوز أن يكون ذكر شفاعته لأبويه كان قبل إحيائهما وإيمانهما به وكذا لأخيه فإنه كان قبل أن يسلم وقد صح أن حليمة وأولادها أسلموا انتهى، الكل في "الإنسان" وفي الحديث :"يقال لأهون أهل النار عذاباً يوم القيامة لو أن لك ما في الأرض من شيء أكنت تفدي به؟ فيقول نعم
٤٠٧
فيقال أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي شيئاً فما أردت أن لا تشرك بي شيئاً" كما في "المصابيح".
﴿مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ﴾ أي : صفتهم وحالهم العجيبة الشأن التي هي كالمثل في الغرابة وهو مبتدأ خبره قوله تعالى أعمالهم كرماد كقولك صفة زيد عرضه مهتوك وماله منهوب أو خبره محذوف أي فيما يتلى عليكم مثلهم، وقوله أعمالهم جملة مستأنفة مبنية على سؤال من يقول كيف مثلهم فقيل أعمالهم كرماد اشتدت به الريح الاشتداد هنا بمعنى العدو والباء للتعدية أي حملته وأسرعت في الذهاب به.
وقال الكاشفي :(همو حا كستريست كه سخت بكذر دبروباد) في يوم عاصف ريحه أي شديد قوي فحذفت الريح ووصف اليوم بالعصوف مجازاً كقولك يوم ماطر وليلة ساكنة وإنما السكون لريحها.
لا يقدرون يوم القيامة مما كسبوا في الدنيا من أعمال الخير على شيء ما أي لا يرون له أثراً من ثواب وتخفيف عذاب كما لا يرون أثراً من الرماد المطير في الريح ذلك أي : ما دل عليه التمثيل دلالة واضحة من ضلالهم.
يعني كفرهم وأعمالهم المبنية عليه وعلى التفاخر والرياء مع حسبانهم محسنين وهو جهل مركب وداء عضال حيث زين لهم سوء أعمالهم فلا يستغفرون منها ولا يتوبون بخلاف عصاة المؤمنين ولذا قال هو الضلال البعيد صاحبه عن طريق الحق والصواب بمراحل أو عن نيل الثواب فأسند البعد الذي هو من أحوال الضال إلى الضلال الذي هو فعله مجازاً مبالغة، شبه الله صنائع الكفار من الصدقة وصلة الرحم وعتق الرقاب وفك الأسير وإغاثة الملهوفين وعقر الإبل للأضياف ونحو ذلك مما هو من باب المكارم في حبوطها وذهابها هباء منثوراً لبنائها على غير أساس من معرفة الله والإيمان به وكونها لوجهه برماد طيرته الريح العاصف (يعني مانند توده خاكسرست كه بادسخت بران وزد بهوا برده در أطراف را كنده سازد وهي كس برجمع آن قادر نبود وازان نفع نكيرد) فكما لا ينتفع بذلك الرماد المطير كذلك لا ينتفع بالأعمال المقرونة بالكفر والشرك.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٠٧
ففيه رد أعمال الكفار وأعمال أهل البدع والأهواء لاعتقادهم السوء فدل على أن الأعمال مبنية على الإيمان وهو على الاخلاص.
(كرنباشد نبيت خالص ه حاصل از عمل).
روى الطبراني عن أم سلمة رضي الله عنها أن الحارث بن هشام رضي الله عنه أي أخا أبي جهل بن هشام أتى البني يوم حجة الوداع فقال يا رسول الله إنك تحث على صلة الرحم والإحسان إلى الجار وإيواء اليتيم وإطعام الضيف وإطعام المسكين وكل هذا مما يفعله هشام يعني والده فما ظنك به يا رسول الله فقال عليه السلام : كل قبر لا يشهد صاحبه أن لا إله إلا الله فهو جذوة من النار وقد وجدت عمي أبا طالب في طمطام من النار فأخرجه الله لمكانه منى وإحسانه إليّ فجعله في ضحضاح من النار أي : مقدار ما يغطي قدميه وهذا مخصوص بأبي طالب كما سبق حكى أن عبد الله بن جدعان وهو ابن عم عائشة رضي الله عنها كان في ابتداء أمره صعلوكاً وكان مع ذلك شريراً فاتكاً يجنى الجنايات فيعقل عنه أبوه وقومه حتى أبغضته عشيرته فخرج هائماً في شعاب مكة يتمنى الموت فرأى شقاً في جبل فلما قرب منه حمل عليه ثعبان عظيم له عينان تتقدان كالسراجين فلما تأخر انساب أي رجع عنه فلا زال كذلك حتى غلب على ظنه أن هذا مصنوع فقرب منه وأمسك بيده فإذا هو من
٤٠٨
ذهب وعيناه ياقوتتان فكسره ثم دخل المحل الذي كان هذا الثعبان على بابه فوجد فيه رجالاً من الملوك ووجد في ذلك المحل أموالاً كثيرة من الذهب والفضة وجواهر كثيرة من الياقوت واللؤلؤ والزبرجد فأخذ منه ما أخذ ثم اعلم ذلك الشق بعلامة وصار ينقل منه شيئاً فشيئاً ووجد في ذلك الكنز لوحامن رخام فيه أنا نفيلة بن جرهم بن قحطان بن هود نبي الله عشت خمسمائة عام وقطعت غور الأرض ظاهرها وباطنها في طلب الثروة والمجد والملك فلم يكن ذلك منجياً من الموت.
جهان أي سر ملك جاود نيست
زدنيا وفاداري اميد نيست
نه بر باد رفتى سحركاه وشام