وفي الآية : إشارة إلى نعمة ألوهية وخالقية ورازقية عليهم بدلوها بالكفر والانكار والجحود وأحلوا أرواحهم وقلوبهم ونفوسهم وأبدانهم دار الهلاك وأنزلوا أبدانهم جهنم يصلونها وبئس القرار وهي غاية البعد عن الحضرة، والحرمان عن الجنان وانزلوا نفوسهم الدركات وقلوبهم العمى والصمم والجهل وأرواحهم العلوية أسفل سافلين الطبيعة بتبديل نعم الأخلاق الملكية الحميدة بالأخلاق الشيطانية السبعية الذميمة، وجعلواأنداداً من الهوى والدنيا وشهواتها ليضلوا الناس بالاستتباع عن طلب الحق تعالى والسير إليه على أقدام الشريعة والطريقة الموصل إلى الحقيقة قل تمتعوا بالشهوات الدنيا ونعيمها فإن مصيركم نار جهنم للأبدان ونار الحرمان للنفوس ونار الحسرة للقلوب ونار القطيعة للأرواح كما في التأويلات النجمية.
قل لعبادي الذي آمنوا قال بعض الحكماء : شرف الله عباده بهذه الياء وهي خير لهم من الدنيا وما فيها لأن فيها إضافة إلى نفسه والاضافة تدل على العتق لأن رجلاً لو قال لعبده يا ابن أو ولد لا يعتق ولو قال يا بني أو ولدي يعتق بالاضافة إلى نفسه كذلك إذا أضاف العباد إلى نفسه فيه دليل أن يعتقهم من النار ولا شرف فوق العبودية.
قال الجامي :
كسوت خواجكى وخلعت شاهى ه كند
هركرا غاشيه بند كيت بر دوشست
وكان سلطان العارفين أبو يزيد البسطامي قدس سره يقول : الخلق يفرون من الحساب وأنا أطلبه فإن الله تعالى لو قال لي أثناء الحساب عبدي لكفاني شرفا، والمقول هنا محذوف دل عليه الجواب أي قل لهم أقيموا وانفقوا يقيموا الصلوة وينفقوا مما رزقناهم أي يداوموا على ذلك.
وبالفارسية (بكو أي محمد يعني أمركن مربند كان مراكه ايمان
٤١٩
آورده اندبرين وجه كه نماز كزاريد ونفقه كنيد تا يشان بامرتونماز كزارند ونفقه دهند از آنه عطاداده با يشان ازاوموال) ويجوز أن يكون المقول يقيموا وينفقوا على أن يكونا بمعنى الأمر وإنما أخرجا عن صورة الخبر للدلالة على التحقق بمضمونهما والمسارعة إلى العمل بهما.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤١٨
فإن قيل : لو كان كذلك لبقي إعرابه بالنون.
قلنا : يجوز أن يبني على حذف النون لما كان بمعنى الأمر.
سراً وعلانية منتصبان على المصدر من الأمر المقدر أي أنفقوا إنفاق سر وعلانية، أو على الحال أي ذوي سر وعلانية بمعنى مسرين ومعلنين أو على الظرف أي وقتي سر وعلانية.
والأحب في الإنفاق إخفاء المتطوع وإعلان الواجب وكذا الصلوات والمراد حث المؤمنين على الشكر لنعم الله تعالى بالعبادة البدنية والمالية وترك التمتع بمتاع الدنيا والركون إليها كما هو صنيع الكفرة.
من قبل أن يأتي قال في الإرشاد : الظاهر أن من متعلقة بأنفقوا يوم وهو يوم القيامة لا بيع فيه فيبتاع المقصر ما يتلافي تقصيره به وتخصيص البيع بالذكر لاستلزام نفيه نفي الشراء ولا خلال ولا مخالة فيشفع له خليل والمراد المخالة بسبب ميل الطبع ورغبة النفس فلا يخالف قوله تعالى : الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين}(الزخرف : ٦٧) لأن الواقع فيما بينهم المخالةأو من قبل أن يأتي يوم القيامة الذي لا انتفاع في بمبايعة ولا مخالة وإنما ينتفع فيه بالطاعة التي من جملتها إقامة الصلاة والانفاق لوجه الله تعالى، وادخار المال وترك إنفاقه إنما يقع غالباً للتجارات والمهاداة فحيث لا يمكن ذلك في الآخرة فلا وجه لادخاره إلى وقت الموت.
وفي الآية إشارة إلى الأعمال الباطنة القلبية كالإيمان وإلى الأعمال الظاهرة القالبية كإقامة الصلاة والانفاق.
قال أبو سعيد الخراساني قدس سره : خزائن الله في السماء وخزائنه في الأرض القلوب لأنه تعالى خلق قلب المؤمن بيت خزائنه، ثم أرسل ريحاً فهبت فيه فكنسته من الكفر والشرك والنفاق والغش ثم أنشأ سحابة فأمطرت فيه ثم أنبت شجرة فأثمرت الرضى والمحبة والشكر والصفوة والإخلاص والطاعة ثم طاب الظاهر بحسب طيب الباطن.
وعن مكحول الشامي رحمه الله : إذا تصدق المؤمن بصدقة ورضي عنه ربه تقول جهنم يا رب ائذن لي بالسجود شكراً لك فقد اعتقت أحداً من أمة محمد من عذابي ببركة صدقته لأني استحيي من محمد أن أعذب أمته مع أن طاعتك واجبة عليّ.
قال المولى الجامي :
هره دارى ون شكوفه برفشان زيراكه سنك
بهرميوه ميخور دهردم زدست سفله شاخ