والإشارة :﴿قُل لِّعِبَادِىَ﴾ لا عباد الهوى.
الذين آمنوا بنور العناية وعرفوا قدر نعمة الوهيتي ولم يبدلوها كفراً يقيموا الصلوة ليلازموا عتبة العبودية ويديموا العكوف على بساط القربة ويثبتوا في المناجاة والمكالمة.
وينفقوا على الطالبين المريدين مما زرقناهم سراً من أسرار الألوهية وعلانية من أحكام العبودية في طريق الربوبية من قبل أن يأتي يوم وهو يوم مفارقة الأرواح عن الأبدان.
لا بيع فيه أي لا يقدر على الانفاق بطريق طلب المعاوضة ولا خلال أي : ولا بطريق المخالة من غير طلب العوض لأن آلة الانفاق خرجت من يده وبطل استعداد دعوة الخلق إلى الحق وتربيتهم بالتسليك والتزكية والتهذيب والتأديب كما في التأويلات النجمية.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤١٨
﴿اللَّهِ﴾ مبتدأ خبره الذي خلق السموات
٤٢٠
وما فيها من الأجرام العلوية والأرض وما فيها من أنواع المخلوقات وقدم السماوات لأنها بمنزلة الذكر من الأنثى وانزل من السماء أي من السحاب فإن كل ما علاك سماء أو من الفلك فإن المطر منه يبتدىء إلى السحاب ومنه إلى الأرض على ما دلت عليه ظواهر النصوص.
يقول الفقير : هو الأرجح عندي ؛ لأن الله تعالى زاد بيان نعمه على عباده فبين أولاً خلق السماوات والأرض ثم أشار إلى ما فيها من كليات المنافع لكنه قدم وأخر كتأخير تسخير الشمس والقمر ليدل على أن كلا من هذه النعم نعمة على حدة، ولو أريد السحاب لم يوجد التقابل التام وأياً ما كان فمن ابتدائية.
ماء أي نوعاً منه وهو المطر فأخرج به أي بسبب ذلك الماء الذي أودع فيه القوة الفاعلية، كما أنه أودع في الأرض القوة القابلية من الثمرات من أنواع الثمرات رزقاً لكم تعيشون به وهو بمعنى المروق شامل للمطعوم والملبوس مفعول لأخرج ومن للتبيين حال منه ولكم صفة كقولك أنفقت من الدراهم ألفاً أو للتبعيض بدليل قوله تعالى : فأخرجنا به ثمرات}(فاطر : ٢٧) كأنه قيل انزل من السماء بعض الماء فاخرج به بعض الثمرات ليكون بعض رزقكم إذ لم ينزل من السماء كل الماء ولا أخرج بالمطر كل الثمار ولا جعل كل الرزق ثمرا وكان أحب الفواكه إلى نبينا عليه السلام الرطب والبطيخ، وكان يأكل البطيخ بالرطب ويقول "يكسر حر هذا ببرد هذا وبرد هذا بِحَرِ هذا" فإن الرطب حار رطب والبطيخ بارد رطب كما في "شرح المصابيح" وفي الحديث :"من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر" قوله : تصبح، أي : أكل وقت الصباح قبل أن يأكل شيئاً آخر وعجوة عطف بيان لسبع تمرات وهي ضرب من أجود التمر في المدينة يضرب إلى السواد يحتمل أن يكون هذه الخاصية في ذلك النوع من التمر ويحتمل أن يكون بدعائه له حين قالوا أحرق بطوننا تمر المدينة، وفي الحديث :"كلوا التمر على الريق فإنه يقتل الديدان في البطن" وكان عليه السلام يأخذ عنقود العنب بيده اليسرى ويتناول حبة حبة بيده اليمنى كذا في "الطب النبوي" وفي البطيخ والرمان قطرة من ماء الجنة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٢٠
وروى عن علي كلوا الرمان فليس منه حبة تقع في المعدة إلا أنارت القلب وأخرست الشيطان أربعين يوماً.
وقال جعفر بن محمد ريح الملائكة ريح الورد وريح الأنبياء ريح السفر جل وريح الحور ريح الآس :﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ﴾ بأن أقدركم على صنعتها واستعمالها بما ألهمكم كيفية ذلك لتجرى أي الفلك لأنه جمع فلك في البحر (دردريا) بأمره بإرادته إلى حيث توجهتم وانطوى في تسخير الفلك تسخير البخار وتسخير الرياح.
قال في شرح حزب البحر : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لعمرو بن العاص صف لي البحر فقال يا أمير المؤمنين مخلوق عظيم يركبه خلق ضعيف دود على عود.
وفي أنوار المشارق يجوز ركوب البحر للرجال والنساء عند غلبة السلامة كذا قال الجمهور.
وكره ركوبه للنساء لأن الستر فيه لا يمكنهن غالباً، ولا غض البصر عن المتصرفين فيه ولا يؤمن انكشاف عوراتهن في تصرفهن لا سيما فيما صغر من السفن مع ضرورتهن إلى قضاء الحاجة بحضرة الرجال.
وسخر لكم الأنهار أي المياه العظيمة الجارية في الأنهار العظام وتسخيرها جعلها معدة لانتفاع الناس حيث يتخذون منها جداول يسقون بها زروعهم وجنانهم وما أشبه
٤٢١
ذلك.
قال في بحر العلوم اللام فيها للجنس أو للعهد أشير بها إلى خمسة أنهار سيحون نهر الهند وجيحون نهر بلخ ودجلة والفرات نهري العراق والنيل نهر مصر أنزلها الله من عين واحدة من عيون الجنة فاستودعها الجبال وأجراها في الأرض وسخرها للناس وجعل فيها منافع لهم في أصناف معاشهم وسائر الأنهار تبع لها وكأنها أصولها.
وسخر لكم الشمس والقمر حال كونهما دائبين قال في تهذيب المصادر الدأب (دائم شدن) فالمعنى دائمين متصلين في سيرهما لا ينقطعان إلى يوم القيامة.