[إبراهيم : ٤٠-٢٨]﴿رَبِّ اجْعَلْنِى مُقِيمَ الصَّلَواةِ﴾ معدّلاً لها من أقمت العود إذا قومته، أو مواظباً عليها من قامت السوق إذا نفقت أي راجت، أو مؤدياً لها والاستمرار يستفاد من العدول من الفعل إلى الاسم حيث لم يقل اجعلني أقيم الصلاة.
ومن ذريتي أي وبعض ذريتي عطف على المنصوب في اجعلني وإنما بعض لعلمه بإعلام الله تعالى واستقرار عادته في الأمم الماضية أن يكون في ذريته كفار وهو يخالف قوله : وجعلها كلمة باقية في عقبه}(الزخرف : ٢٨) والإشارة إلى إقامة الصلاة إلى إدامة العروج فإن الصلاة معراج المؤمن وبه يشير إلى دوام السير في الله بالله.
﴿رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ﴾ واستجب دعائي هذا المتعلق باجعلني وجعل بعض ذريتي مقيمي الصلاة ثانتين على ذلك مجتنبين عن عبادة الأصنام ولذلك جيء بضمير الجماعة ربنا اغفر لي أي مافرط مني من ترك الأولى في باب الدين وغير ذلك مما لا يسلم منه البشر ولوالدي وهذا الاستغفار منه إنما كان قبل تبين الأمر له عليه السلام.
يعني (قبل ازنهى بوده وهنوز يأس ازايمان ايشان نداشت).
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٢٩
قال في الكواشي : استغفر لأبويه وهما حيان طمعاً في هدايتهما أو أن أمه أسلمت فأراد أسلام أبيه وذلك أنهم
٤٢٩
صرحوا بأن أمه كانت مؤمنة ولذا قرأ بعضهم : ولوالدتي وقال الحافظ السيوطي يستنبط من قول إبراهيم.
رب اغفر لي ولوالدي وكان ذلك بعد موت عمه بمدة طويلة إن المذكور في القرآن بالكفر والتبري من الاستغفار له أي في قوله وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له إنه عدوتبرأ منه}(التوبة : ١١٤) هو عمه لا أبوه الحقيقي والعرب تسمى العم أبا كما تسمى الخالة أمّا.
قال في "حياة الحيوان" : في الحديث : يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة فيقول له إبراهيم ألم أقل لك لا تعص؟ فيقول أبوه فاليوم لا أعصيك فيقول : إبراهيم يا رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون فأي خزي أخزى من أبي أن يكون في النار فيقول الله تعالى : إني حرمت الجنة على الكافرين ثم يقال يا إبراهيم ما تحت رجليك؟ فينظر فإذا هو بذيخ متلطخ والذيخ بكسر الذال ذكر الضباع الكثيرة الشعر فيؤخذ بقوائمه ويلقى في النار والحكمة في كونه مسخ ضبعا دون غيره من الحيوان أن الضبع لما كان يغفل عما يجب التيقظ له وصف بالحمق، فلما لم يقبل آزر النصيحة من أشفق الناس عليه وقبل خديعة عدوه الشيطان أشبه الضبع الموصوفة بالحمق لأن الصياد إذا أراد أن يصيدها رمى في حجرها بحجر فتحسبه شيئاً تصيده فتخرج لتأخذه فتصاد عند ذلك، ولأن آزر لو مسخ كلباً أو خنزيراً كان فيه تشويه لخلقه فأراد الله إكرام إبراهيم بجعل أبيه على هيئة متوسطة.
قال في "المحكم" : يقال ذيخته أي ذللته فلما خفض إبراهيم له جناح الذل من الرحمة لم يحضر بصفة الذل يوم القيامة.
انتهى كلام الامام الدميري في "حياة الحيوان" :﴿الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَآفَّةً﴾ من ذريته وغيرهم واكتفى بذكر مغفرة المؤمنين دون مغفرة المؤمنات لأنهن تبع لهم في الأحكام وللإيذان باشتراك الكل في الدعاء بالمغفرة جيء بضمير الجماعة، وفي الحديث : من عمم بدعائه المؤمنين والمؤمنات استجيب له فمن السنة أن لا يختص نفسه بالدعاء.
قال في الأسرار المحمدية : اعلم إنه يكره للامام تخصيص نفسه بالدعاء بأن يذكر ما يذكر على صيغة الأفراد لا على صيغة الجمع.
قال رسول الله : لا يؤم عبد قوماً فيخص نفسه بالدعاء دونهم فإن فعل فقد خانهم رواه ثوبان بل الأولى أيضاً إن كان منفرداً أن يأتي بصيغة الجمع فينوي نفسه وآباءه وأمهاته وأولاده وأخوانه وأصدقاءه المؤمنين الصالحين فيعممهم بالدعاء وينالهم بركة دعائه وينال الداعي بركات هممهم وتوجههم بأرواحهم إليه روى عن السلف بل عن النبي أن يصيبه بعدد كل مؤمن ومؤمنة ذكره حسنة، يعني أن نواه بقلبه حين دعائه فهكذا افهم واعمل في جميع دعواتك انتهى كلام الأسرار.
يوم يقوم الحساب أي يثبت ويتحقق محاسبة أعمال المكلفين على وجه العدل استعير له من ثبوت القائم على الرجل بالاستقامة ومنه قامت الحرب على ساق.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٢٩
وفي التأويلات ربنا اغفر لي أي : استرني وامحني بصفة مغفرتك لئلا أرى وجودي فإنه حجاب بيني وبينك.
خمير مايه هر نيك وبد تويى جامي
خلاص از همه مي بايدت زخود بكريز
ولوالدي أي : ولمن كان سبب وجودي من آبائي العلوي وأمهاتي السفلي لكيلا يحجبوني وعن رؤيتك.
للمؤمنين يوم يقوم الحساب وهو يوم كان في حساب الله في الأزل يقوم
٤٣٠
لكمالية كل نفس أو نقصانيته انتهى.
يقول الفقير : دعا إبراهيم عليه السلام بالمغفرة وقيدها بيوم القيامة لأن يوم القيامة آخر الأيام والخلاص فيه من المحاسبة والمناقشة يؤدّي إلى نجاة الأبد والفوز بالدرجات لأنه ليس بعد التخلية بالمعجمة إلا التحلية بالمهملة فقدّم الأهم والأصل ولشدة هذا اليوم.


الصفحة التالية
Icon