﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الارْضُ غَيْرَ الارْضِ وَالسَّمَاوَاتُ﴾ أي اذكر يوم تبدل هذه الأرض المعروفة أرضاً أخرى غير معروفة وتبدل السموات غير السموات ويكون الحشر وقت التبديل عند الظلمة دون الجسر، أو يكون الناس على صراط كما روى عن عائشة رضي الله عنها قالت لرسول الله يا رسول الله هل تذكرون أهاليكم يوم القيامة؟ قال : أما عند مواطن ثلاثة فلا عند الصراط والكتاب والميزان قالت قلت يا رسول الله يوم تبدل الأرض غير الأرض أين الناس يومئذٍ؟ قال : سألتني عن شيء ما سألني أحد قبلك الناس يومئذٍ على الصراط والتبديل قد يكون في الذات كما بدلت الدراهم دنانير وقد يكون في الصفات كما في قولك بدلت الحلقة خاتماً إذا أذبتها وغيرت شكلها والآية تحتملهما.
نقل القرطبي عن صاحب الإفصاح أن الأرض والسماء تبدلان مرتين المرة الأولى تبدل صفتهما فقط، وذلك قبل نفخة الصعق، فتتناثر كواكبها وتخسف الشمس والقمر، أي يذهب نورهما ويكون مرة كالدهان ومرة كالمهل، وتكشف الأرض وتسير جبالها في الجو كالسحاب وتسوي أوديتها وتقطع أشجارها وتجعل قاعاً صفصفاً أي بقعة مستوية والمرة الثانية تبدل ذاتهما وذلك إذا وقفوا في المحشر فتبدل الأرض بأرض من فضة لم يقع عليها معصية وهي الساهرة والسماء تكون من ذهب كما جاء عن علي رضي الله عنه.
والإشارة : تبدل أرض البشرية بأرض القلوب فتضمحل ظلماتها بأنوار القلوب وتبدل سموات الأسرار بسموات الأرواح فإن شموس الأرواح إذا تجلت لكواكب الأسرار انمحت أنوار كواكبها بسطوة أشعة شموسها بل تبدل أرض الوجود المجازي عند إشراق تجلى أنوار الربوبية بحقائق أنوار الوجود الحقيقي كما قال : وأشرقت الأرض بنور ربها}(الزمر : ٦٩) [إبراهيم : ٤٨-٣٩]﴿وَبَرَزُوا﴾ أي خرج الخلائق من قبورهمالواحد القهار أي لمحاسبته ومجازاته وتوصيفه بالوصفين للدلالة على أن الأمر في غاية الصعوبة كقوله : لمن الملك اليومالواحد القهار}(غافر : ١٦) فإن الأمر إذا كان لواحد غلاب لا يغالب فلا مستغاث لأحد إلى غيره ولا مستجار.
يقول الفقير : سمعت شيخي وسندي قدس سره وهو يقول في هذه الآية هذا ترتيب أنيق فإن الذات الأحدية تدفع بوحدتها الكثرة ويقهرها الآثار فيضمحل الكل فلا يبقى سواه تعالى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٣٦
قال في "المفاتيح" : القهار هو الذي لا موجود إلا وهو مقهور تحت قدرته مسخر لقضائه عاجز في قبضته.
وقيل هو الذي أذل الجبابرة وقصم ظهورهم بالإهلاك.
﴿وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَااِذٍ﴾ أي : يوم هم بارزون مقرنين حال من المجرمين قرن بعضهم مع بعض بحسب مشاركتهم
٤٣٦
في العقائد الفاسدة أو قرنوا مع الشياطين الذين أغووهم أو قرنت أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم بالاغلال في الأصفاد متعلق بمقرنين أي يقرنون في الأصفاد وهي القيود كما في القاموس جمع صفد محركة وأصله الشد يقال صفدته إذا شددته شداً وثيقاً.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٣٦
﴿سَرَابِيلُهُم﴾ أي : قمصانهم جمع سربال من قطران هو عصارة الأبهل والأرز ونحوهما.
قال في التفاسير : هو ما يتحلب من الأبهل فيطبخ فتهنأ به الإبل الجربي فيحرق الجرب بحدته وقد تصل حرارته إلى الجوف وهو أسود منتن يسرع فيه اشتعال النار يطلي به جلود أهل النار يعود طلاؤه لهم كالسرابيل ليجتمع عليهم الألوان الأربعة من العذاب لذع القطران وحرقته وإسراع النار في جلودهم واللون الموحش ونتن الريح على أن التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين فإنه ورد وإن ناركم هذه جزء من سبعين جزأ من نار جهنم وقس عليها القطران ونعوذ بالله من عذابه كله في الدنيا والآخرة وما بينهما.
وقال في التبيان : القطران في الآخرة ما يسيل من أبدان أهل النار.
وعن يعقوب من قطرآن والقطر النحاس أو الصفر المذاب والآني المتناهي حره وتغشى وجوههم النار أي تعلوها وتحيط بها النار التي تمس جلدهم المسربل بالقطران لأنهم لم يتوجهوا بها إلى الحق ولم يستعملوا في تدبره مشاعرهم وحواسهم التي خلقت فيها لأجله كما تطلع على أفئدهم لأنها فارغة عن المعرفة مملوءة بالجهالات.
وفي بحر لعلوم : الوجه يعبر به عن الجملة والذات مجازاً وهو أبلغ من الحقيقة أي وتشملهم النار وتلبسهم لأن خطاياهم شملتهم من كل جانب فجوزوا على قدرها حتى الاصرار والاستمرار.
ليجزى الله متعلق بمضمر، أي : يفعل بهم، وذلك ليجزى كل نفس مجرمة ما كسبت من أنواع الكفر والمعاصي جزاء موافقاً لعملها.
إن الله سريع الحساب إذ لا يشغله حساب عن حساب فيتمه في أعجل ما يكون من الزمان فيوفى الجزاء بحسبه أو سريع المجيء يأتي عن قريب.


الصفحة التالية
Icon