قال الكاشفي :(امر تهوين وتحقيراست يعني كافران دره حسابند دست ازيشان بدار تا در دنيا) يأكلوا كالأنعام ويتمتعوا بدنياهم وشهواتها والمراد
٤٤٠
دوامهم على ذلك لا إحداثه فإنهم كانوا كذلك، وهما أمران بتقدير اللام لدلالة ذرهم عليه أو جواب أمر على التجوز لأن الأمر بالترك يتضمن الأمر بهما أي دعهم وبالغ في تخليتهم وشأنهم بل مرهم بتعاطي ما يتعاطون ويلههم أي : يشغلهم عن اتباعك أو عن الاستعداد للمعاد.
الأمل التوقع لطول الأعمار وبلوغ الأوطار واستقامة الأحوال وأن لا يلقوا في العاقبة والمآل إلا خيراً.
قال الصائب :
درسر اين غافلان طول امل دانى كه يست
اشيان كردست مارى دركبوتر خانه
قال في بحر العلوم : إن الأمل رحمة لهذا الأمة لولاه لتعطل كثير من الأمور وانقطع أغلب أسباب العيش والحياة، قال رسول الله : إنما الأمل رحمة الله لأمتي لولا الأمل ما أرضعت أم ولدا ولا غرس غارس شجراً رواه أنس، والحكمة لا تقتضي اتفاق الكل على الإخلاص والإقبال الكلي على الله فإن ذلك مما يخل بأمر المعاش، ولذلك قيل : لولا الحمقى لخربت الدنيا.
قال بعضهم : لو كان الناس كلهم عقلاء لما أكلنا رطباً ولا شربنا ماء بارداً يعني أن العقلاء لا يقدمون على صعود النخيل لاجتناء الرطب، ولا على حفر الآبار لاستنباط الماء البارد كما في اليواقيت.
قال في شرح الطريقة : الأمل إرادة الحياة للوقت، للتراخي بالحكم، والجزم، أعني بلا استثناء ولا شرط صلاح، وهو مذموم في الشرع جداً، وغوائله أربع الكسل في الطاعة وتأخيرها وتسويف التوبة وتركها وقسوة القلب بعد ذكر الموت والحرص على جمع الدنيا والاشتغال بها عن الآخرة فسوف يعلمون سوء صنيعهم إذا عاينوا جزاءه وهو وعيد لهم.
قال في التأويلات النجمية : قوله : ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل تهديد لنفس ذاقت حلاوة الإسلام ثم عادت إلى طبعها الميشوم واستحلت مشاربها من نعيم الدنيا واستحسنت زخارفها فيهددها بأكل شهوات الدنيا والتمتع بنعيمها ثم قال : فسوف يعلمون ما خسروا من أنواع السعادات والكرامات والدرجات والقربات وما فات منهم من الأحوال السنية والمقامات العلية وما أورثتهم الدنيا الدنية من البعد من الله والمقت وعذاب نار القطيعة والحرمان.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٤٠
وما أهلكنا شروع في بيان سر تأخير عذابهم إلى يوم القيامة وعدم نظمهم في سلك الأمم الدارجة في تعجيل العذاب أي : وما أهلكنا.
من قرية من القرى بالخسف بها وبأهلها كما فعل ببعضها أو باخلائها عن أهلها غب إهلاكهم كما فعل بآخرين إلا ولها في ذلك الشأن كتاب أي : أجل مقدر مكتوب في اللوح المحفوظ واجب المراعاة بحيث لا يمكن تبديله لوقوعه حسب الحكمة المقتضية له.
معلوم لا ينسى ولا يغفل حتى يتصور التخلف عنه بالتقدم والتأخر.
فكتاب مبتدأ خبره الظرف والجملة حال من قرية فإنها لعمومها، لا سيما بعد تأكده بكلمة من في حكم الموصوفة كما أشير إليه، والمعنى وما أهلكنا قرية من القرى في حال من الأحوال إلا حال أن بكون لها كتاب أي أجل مؤقت لهلكها قد كتبناه لانهلكها قبل بلوغه، معلوم لا يغفل عنه حتى تمكن مخالفته بالتقدم والتأخر، أو صفة للقرية.
المقدرة التي هي بدل من المذكورة على المختار فيكون بمنزلة كونه صفة للمذكورة أي وما اهلكنا قرية من القرى إلا قرية لها كتاب معلوم، وتوسيط الواو بينهما وإن كان القياس عدمه للإيذان
٤٤١
بكمال الالتصاق بينهما من حيث أن الواو شأنها الجمع والربط.
ما تسبق ما نافية من زائدة أمة من الأمم الهالكة وغيرهم أجلها المكتوب في كتابها أي لا يجيء هلاكها قبل مجيء كتابها وما يستأخرون أي وما يتأخرون عنه، وإنما حذف لأنه معلوم ولرعاية الفواصل، وصيغة الاستفعال للاشعار بعجزهم عن ذلك مع طلبهم له، وأما تأنيث ضمير أمة في أجلها وتذكيره في يستأخرون فللحمل على اللفظ تارة وعلى المعنى أخرى.
وفي التأويلات النجمية : ما تسبق من أمة أجلها حتى يظهر منها ما هو سبب هلاكها وتستوفي نفسها من الحظوظ ما يبطل الحقوق.
وما يستأخرون لحظة بعد استيفاء أسباب الهلاك والعذاب.
قال السعدي :
طريقي بدست آر وصلحي بجوى
شفيعي برانكيز وعذري بكوى
كه يك لحظه صورت نه بنددامان
و يمانه رشد بدور زمان
فعلى العاقل أن يجتهد في تزكية النفس الأمارة، وإزالة صفاتها المتمردة ومن المعلوم أن الدنيا كالقرية الصغيرة والآخرة كالبلدة الكبيرة ولم يسلم من الآفات إلا من توجه إلى السواد الأعظم فإنه ما من لكل نفس فلو مات عند الطريق فقد وقع أجره على الله، ولو تأخر واجتهد في عمارة قرية الجسد واشتغل بالدنيا وأسبابها هلك مع الهالكين، وإذا كان لكل نفس أجل لا تموت إلا عند حلوله وهو مجهول فلا بد من التهيء في كل زمان وذكر الموت كل حين وآن وقصر الأمل وإصلاح العمل ودفع الكسل.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٤٠