وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : إنه اشترى أسامة بن زيد من زيد بن ثابت وليدة بمائة دينار إلى شهر فسمعت رسول الله يقول : ألا تعجبون من أسامة المشتري إلى شهر إن أسامة لطويل الأمل، والذي نفسي بيده ما طرفت عيناي إلا ظننت أن شفري لا يلتقيان حتى يقبض الله روحي ولا رفعت طرفي فظننت إني واضعه حتى اقبض، ولا لقمت لقمة إلا ظننت إني لا أسيغها حتى أغص بها من الموت ثم قال يا بني آدم إن كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم من الموتى والذي نفسي بيده إنما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين أي : لا تقتدرون على اعجاز الله عن إتيان ما توعدون به من الموت والحشر والحساب وغيرها من أحوال القيامة وأهوالها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٤٠
﴿وَقَالُوا﴾ أي : مشركوا مكة وكفار العرب لغاية تماديهم في العتو والغي.
وفي بعض التفاسير نزلت في عبد الله بن أمية يا أيها الذي نزل عليه الذكر نادوا به النبي عليه السلام على وجه ألتهكم، ولذا جننوه بقولهم : إنك لمجنون إذ لا يجتمع اعتقاد نزول الذكر عليه ونسبة الجنون إليه.
والمعنى : إنك لتقول قول المجانين حين تدعى أن الله نزل عليك الذكر أي القرآن.
وقال الكاشفي :(بدرستى توديوانه كه مارا از نقد بنسيه مي خواني) وجواب هذه الآية قوله تعالى في سورة القلم ما أنت بنعمة ربك بمجنون}(القلم : ٢) أي : ما أنت بمجنون حال كونك منعماً عليك بالنبوة وكمال العقل.
يقول الفقير : الجنون من أوصاف النقصان يجب تبرئة ساحة الأنبياء وكمل الأولياء منه وعد نسبته إليهم من الجنون، إذ لا سفه أشد من نسبة النقصان وسخافة العقل والاذعان إلى المراجيح الرزان، ولا عقل من العقول إلا وهو مستفيض من العقل الأول الذي هو الروح المحمدي، والعاقل بالعقل المعادي مجنون عند العاقل بالعقل المعاشي وبالعكس، ولا يكون مجنوناً بالجنون المقبول إلا بعد دخول دائرة العشق.
قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر.
٤٤٢
جننا مثل مجنون بليلى
شغفنا حب جيران بسلمى
يعني جننا من الأزل إلى الأبد بجنون عشق المعشوق الوجه الحق وحب المحبوب الجمال المطلق كما جن مجنون بجنون عشق المعشوق ليلى الخلق، وحب المحبوب الجمال المقيد.
قال الصائب :
روزن عالم غيبست دل اهل جنون
من وآن شهركه ديوانه فراوان باشد
﴿لَّوْ مَا﴾ حرف تحضيض بمعنى هلا وبالفارسية (را) تأتينا (نمى آرى) فالباء للتعدية في قوله بالملائكة يشهدون بصحة نبوتك ويعضدونك في الأنذار كقوله تعالى : لولا انزل إليه ملك فيكون معه نذيرا}(الفرقان : ٧) يعني :(اكر راست مى كويي كه يغمبرى فرشتكانرا حاضركن تا بحضور ما كواهى دهند برسالت تو) أو يعاقبوننا على التكذيب كما أتت الأمم المكذبة لرسلهم.
﴿إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ في دعواك فإن قدرة الله على ذلك مما لا ريب فيه وكذا احتياجك إليه في تمشية أمرك فقال الله تعالى في جوابهم :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٤٢
ما ننزل الملائكة إلا بالحق أي : ملتبساً بالوجه الذي يحق ملابسة التنزيل به مما تقتضيه الحكمة وتجري به السنة الإلهية والذي اقترحوه من التنزيل لأجل الشهادة لديهم وهم هم، ومنزلتهم في الحقارة والهوان منزلتهم، مما لا يكاد يدخل تحت الصحة والحكمة أصلاً، فإن ذلك من باب التنزيل بالوحي الذي لا يكاد يفتح على غير الأنبياء العظام، من أفراد كمل المؤمنين، فكيف على أمثال أولئك الكفرة اللئام، وإنما الذي يدخل في حقهم تحت الحكمة في الجملة هو التنزيل للتعذيب والاستئصال كما فعل بأضرابهم من الأمم السالفة ولو فعل ذلك لاستؤصلوا بالمرة وما كانوا إذن منظرين إذن جواب وجزاء لشرط مقدر وهي مركبة من إذ وهو اسم بمعنى الحين ثم ضم إليه إن فصار أذان ثم استثقلوا الهمزة فحذفوها فمجيء لفظة إن دليل على إضمار فعل بعدها والتقدير وما كانوا إذ إن كان ما طلبوه منظرين والأنظار التأخير.
والمعنى ولو نزلنا الملائكة ما كانوا امؤخرين بعد نزولهم طرفة عين كدأب سائر الأمم المكذبة المستهزئة ومع استحقاقهم لذلك قد جرى قلم القضاء بتأخير عذابهم إلى يوم القيامة لتعلق العلم الإرادة بازديادهم عذاباً وبإيمان بعض ذراريهم.
وفي تفسير الكاشفي ما ننزل الملائكة إلا بالحق مكر بوحي نازل بعذاب.
يعني ملك رابصورت أصلي وقتى توانند ديدكه بجهت عذاب نازل شوند نانه قوم مود جبريل رادر زمان صيحه ديدند يابوقت مرك نانه همه كس مي بينند وما كانوا إذن ونباشند آن هنكام كه ملائكه را بدين صورت فرستيم منظرين از مهلت داد كان يعني في الحال معذب شوند).
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٤٢
﴿إِنَّا نَحْنُ﴾ لعظم شأننا وعلو جنابنا ونحن ليست بفصل لأنها بين اسمين وإنما هي مبتدأ كما في الكواشي نزلنا الذكر ذلك الذكر الذي أنكروه وأنكروا نزوله عليك ونسبوك بذلك إلى الجنون وعموا منزله حيث بنوا الفعل للمفعول إيماء إلى أنه أمر لا مصدر له وفعل لا فاعل له.


الصفحة التالية
Icon