وفي شرح التقويم : البرج في اللغة الحصن وغاية الحصن المنع عن الدخول والوصول إلى ما فيه ويقسم دور الفلك ويسمى كل قسم منها برجا طول كل واحد ثلاثون درجة وعرضه مائة وثمانون من القطب إلى القطب وكل ما يقع في كل قسم يكون في ذلك البرج ولما كانت هذه الأقسام المتوهمة في الفلك كالموانع عن تصرفات أشخاص العالم السفلي فيما فيها من الأنجم وغيرها كما أشير إليه في الكتاب الإلهي بقوله : وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً}(الأنبياء : ٣٢) اعتبر المناسبة وسميت بالبروج ﴿وَزَيَّنَّاهَا﴾ أي السماء بتلك البروج المختلفة الاشكال والكواكب سيارات كانت أو ثوابت وسميت السيارة لسرعة حركاتها وسميت الثابتة بالثوابت إما لثبات أوضاعها أبداً وإما لقلة حركاتها الثابتة وغاية بطئها، فإن السماويات ليست بساكنة وحركات الثوابت على رأي أكثر المتأخرين درجة واحدة في ست وستين سنة شمسية وثمان وستين سنة قمرية فيتم برجا في ألفي سنة ودورة في أربعة وعشرين ألف سنة وتسمى الثوابت بالكواكب البيابانية إذ يهتدى بها في الفلاة وهي البيابان بالعجمية، والكواكب الثابتة بأجمعها على الفلك الثامن وهو الكرسي وفوقه الفلك الأطلس أي فلك الأفلاك وهو العرش، سمى بالأطلس لخلوه عن الكواكب تشبيهاً له بالثوب الأطلس الخالي عن النقش ثم حركة الأفلاك بالإرادة وحركة الكواكب بالعرض إذ كل منها مركوز في الفلك كالكرة المنغمسة في الماء والكواكب التي أدركها الحكماء بإرصادهم ألف وتسعة وعشرون فمنها سيارة ومنها ثوابت والكل مما أدركوا وما لم يدركوا زينة السماء كما أن في الأرض زينة لها للناظرين لكل من ينظر إليها فمعنى التزيين ظاهر، أو للمتفكرين المعتبرين المستدلين بذلك على قدرة مقدرها وحكمة مدبرها فتزيينها ترتيبها على نظام بديع مستتبع للآثار الحسنة، وتخصيصهم لأنهم هم المنفعون بها وأما غيرهم فنظرهم كلا نظر.
قال السعدي قدس سره :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٤٧
دوشم از ى صنع بارى نكوست
زعيب برادر فرو كير و دوست
غبار هوا شم عقلت بدوخت
سموم هوا كشت عمرت بسوخت
بكن سرمه غفلت از شم اك
كهفردا شوى سرمه در شم خاك
وحفظناها أي السماء من كل شيطان رجيم مرمى بالنجوم فلا يقدر أن يصعد إليها ويوسوس في أهلها ويتصرف في أهلها ويقف على أحوالها، فيلاحظ في الكلام معنى الإضافة إذ الحفظ لا يكون من ذات الشيطان، وفي كلمة كل ههنا دلالة على أن اللام في الشيطان الرجيم في الاستعاذة لاستغراق الجنس كما في بحر العلوم.
وقال بعضهم : هل المراد في الاستعاذة كل شيطان أو القرين فقط الظاهر إنه في حقنا القرين قال الله تعالى : ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين}(الزخرف : ٣٦) وفي حق رسول الله صلى الله عليه وسلّم إبليس، أما نحن فلان
٤٤٨
الإنسان لا يؤذيه من الشياطين إلا ما قرن به وما بعد فلا يضر شيئاً.
والعاقل لا يستعيذ مما لا يؤذيه وأما الرسول عليه السلام فلأنه لما قيل له ولا أنت يا رسول الله قال :"ولا أنا ولكن الله تعالى أعانني عليه حتى أسلم فلا يأمرني إلا بخير" فإذا كان قرينه عليه السلام قد أسلم فلا يستعيذ منه فالاستعاذة حينئذٍ من غيره وغيره يتعين أن يكون إبليس أو أكابر جنوده لأنه قد ورد في الحديث :"أن عرش إبليس على البحر الأخضر وجنوده حوله وأقربهم إليه أشدهم بأساً ويسأل كلا منهم عن عمله وإغوائه ولا يمشي هو إلا في الأمور العظام" والظاهر أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم من أهم المهمات عنده فلا يؤثر به غيره من ذريته.