كان من الرجال من في قلبه ريبة يتأخر إلى آخر صف الرجال ومن النساء من في قلبها ريبة تتقدم إلى أول صف النساء لتقرب من الرجال فنزلت، وفي الحديث : خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها قال في فتح القريب هذا ليس على عمومه بل محمول على ما إذا اختلطن بالرجال فإذا صلين متميزات لا مع الرجال فهن كالرجال ومن صلى منهن في جانب بعيد عن الرجال فأول صفوفهن خير لزوال العلة والمراد بشر الصفوف في الرجال والنساء كونها أقل ثواباً وفضلاً وأبعدها عن مطلوب الشرع وخيرها بعكسه.
وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن عن مخالطة الرجال ورؤيتهن وتعلق القلب بهن عند رؤية حركاتهن وسماع كلامهن ونحو ذلك، وذم أول صفوفهن لعكس ذلك والصف الأول الممدوح الذي وردت الأحاديث بفضله والحث عليه هو الذي يلي الإمام، سواء كان صاحبه على بعد من الإمام أو قرب وسواء تخلله مقصورة أو منبراً وأعمدة ونحوها أم لا هذا هو الصحيح وقيل الصف الأول هو المتصل من طرف المسجد إلى طرفه لا تتخله مقصورة ونحوها فإن تخلل الذي يلي الامام شيء فليس بأول بل الأول ما لم يتخلله شيء وإن تأخر.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٥٥
وقيل الصف الأول عبارة عن مجيء الانسان إلى المسجد أولاً وإن صلى في صف متأخر وعن أنس رضي الله عنه حض رسول الله على الصف الأول في الصلاة فازدحم الناس عليه وكان بنو عذرة دورهم قاصية عن المسجد فقالوا نبيع دورنا ونشتري دوراً قريبة من المسجد فانزل الله تعالى هذه الآية يعني إنما يؤجرون بالنية وفي الحديث : ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات قالوا بلى يا رسول الله قال : إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطى إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة.
قال في فتح القريب الدار البعيدة لمن يقدر على المشي أفضل وهذا في حق من هو متفرغ لذلك ولا يفوته بكثرة خطاه أو مشيه إلى المسجد مهم من مهمات الدين فإن كان يفوته ذلك كالاشتغال بالعلم والتعلم والتعليم ونحو ذلك من فروض الكفاية فالدار القريبة في حقه أفضل وكذا الضعيف عن المشي ونحوه.
فإن قيل روى الإمام أحمد في مسنده أن النبي قال : فضل البيت القريب من المسجد على البعيد منه كفضل المجاهد على القاعد عن الجهاد.
فالجواب أن هذا في نفس البقعة وذاك في الفعل فالبعيد داراً مشيه أكثر وثوابه أعظم والبيت القريب أفضل من البيت البعيد ولهذا قيل في قوله : الشؤم في ثلاث المرأة والدار والفرس إن شؤم الدار أن تكون بعيدة عن المسجد لا يسمع ساكنها الأذان.
قال العلماء : ينبغي أن يستثنى من أفضلية الأبعد الإمام، فإن النبي عليه السلام والأئمة بعده لم تتباعد عن المسجد لطلب الأجر.
واختلف فيمن قربت داره من المسجد هل الأفضل له أن يصلي فيه، أو يذهب إلى الأبعد فقالت طائفة الصلاة في لأبعد أفضل عملاً بظاهر الأحاديث وقيل الصلاة في الأقرب أفضل لما روى الدارقطني أن النبي قال : لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ولإ حياء حق المسجد ولماله من الجوار فإن كان في جواره مسجد ليس فيه جماعة وبصلاته فيه تحصل الجماعة كان فعلها في مسجد الجوار أفضل على المذهب، لما في ذلك من عمارة المسجد وإحيائه بالجماعة، أما لو كان
٤٥٦
إذا صلى في المسجد الجوار صلى وحده فالبعيد أفضل ولو كان إذا صلى في بيته صلى جماعة وإذا صلى في المسجد صلى وحده ففي بيته أفضل.
قال بعضهم : جار المسجد أربعون داراً من كل جانب، وقيل جار المسجد من سمع النداء ويقال : أراد بالآية المصلين في أول الوقت والمؤخرين إلى آخره وفي الحديث : أول الوقت رضوان الله ووسط الوقت رحمة الله وآخر الوقت عفو الله تعالى قال في شرح كتاب الشهاب للقضاعي عند قوله عليه السلام : نوروا بالفجر فإنه أعظم للأجر (كفت نماز بامداد بروشنايي كنيدكه مزد بزر كتراباشد يعني بآخر وقت واين مذهب أبو حنيفة رحمه الله باشدكه نماز بآخر وقت فاضلتر باشد يعني كه وجوب متأكد ترباشد كه بفوات نزديكتر باشد ومذهب امام شافعي رحمه الله كفت اول الوقت رضوان الله وآخر الوقت عفو الله وعفو نباشد إلا ازكناه س معلوم كشت كه اول وقت فاضلتر باشد) قال أبو محمد النيسابوري المراد بآخر الوقت بعد خروجه لأن العفو يقتضي ذلك لأنه لا يكون إلا عن ذنب، فالمراد بأول الوقت عنده جميع الوقت كما قال في أسئلة الحكم لوقت وقتان، وقت الأداء ووقت القضاء فوقت الأداء هو أول الوقت المرضى عند الله ووقت القضاء هو الوقت المرخص فيه وآخر الوقت هو القضاء وهو عفو الله عمن قضى الصلاة خارج وقتها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٥٥
فإن قيل : ما معنى أول الوقت رضوان الله؟.