والجواب : أن أول الوقت بمنزلة المفتاح، فإذا حصل وعرف قدره فقد استعد لرضى الله تعالى لأن العبرة للفاتح والخاتم فإذا حصل المفتاح حصل الختم وينبغي أن يشتغل بأسباب الصلاة عند دخول الوقت، أو يقدم ما يمكن تقديمه من الأسباب قبل دخول الوقت ويشرع في الصلاة إذا دخل الوقت لتنطبق الصلاة على أول الوقت، ويستحب التأخير في مسائل، منها الإبراد بالظهر.
ومنها فقد الماء أول الوقت وكان ذا ثقة من وجوده آخر الوقت، ومنها إذا كان بحضرة طعام تتوق نفسه إليه، ومنها إذا كان يتحقق الجماعة آخر الوقت، ومنها إذا كان بمواضع منهى عنها كمواضع المكس والأسواق والربا ومن أعظم مواضع الربا الصاغة فإنه يحرم دخولها بغير حاجة لغلبة الربا فيها.
قال في شرح المهذب : فإذا تيقنت بهذا المذكور فعليك بالإقدام على الطاعات والمسارعة إلى العبادات حتى لا يظفر بك النفس والشيطان في جميع الحالات، واحذر من التسويف ولعلك لا تنال ما أملت من عمر وزمان.
وفي المثنوى :
صوفى ابن الوقت باشد اي رفيق
نيست فردا كفتن از شرط طريق
ولقد خلقنا الإنسان أي هذا النوع بأن خلقنا أصله وأول فرد من أفراده خلقاً بديعاً منطوياً على خلق سائر أفراده انطواء إجمالياً من صلصال من طين يابس غير مطبوخ يصلصل أي يصوّت عند نقره وإذا طبخ، أي : مسته النار فهو فخار.
من حمأ أي كان ذلك الصلصال من طين تغير وأسود بطول مجاورة الماء مسنون صفة حمأ أي منتن.
وبالفارسية (بوي كرفته بواسطه بسيار بودن در آب ون لايى كه درنك حوض وجوى باشد) أو مصور من سنة الوجه وهي صورته أو مصبوب من سن الماء صبه أي مفرغ على هيئة الإنسان كما تفرغ الصور من الجواهر المذابة في القوالب كالرصاص والنحاس ونحوهما كأنه سبحانه أفرغ الحمأ فصوّر من ذلك تمثال إنسان أجوف فيبس حتى إذا نقر صوت ثم غيره إلى جوهر آخر
٤٥٧
فتبارك الله أحسن الخالقين.
قال الكاشفي :(صاحب تبيان كفته كه حق سبحانه وتعالى آدم را ازخاك آفريد بران وجه كه آب برخاك بارانيد تاكل شد ومدتي بكذشت تاحمأ كشت س آنرا تصوير كرد مسنون بمعنى مصوراست آنكه بكذاشت تاخشك شد وبمرتبه صلصال رسيد) وكان بين خلقه ونفخ روحه أربع جمع من الأخرة وخلق بعد العصر يوم الجمعة والظاهر أنه خلق في جنة من جنات الدنيا بغربيها وعليه أكابر أهل الله تعالى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٥٥
﴿وَالْجَآنَّ﴾ أبا الجن.
قال في الروضة : إبليس وهو أبو الجن والجان اسم جمع للجن كما في القاموس وسمي بذلك لأنه يجن أي يستتر، ويجوز أن يراد به الجنس كما هو الظاهر من الإنسان لأن تشعب الجنس لما كان من فرد واحد مخلوق من مادة واحدة كان الجنس بأسره مخلوقاً منها خلقناه من قبل من قبل خلق الإنسان من نار السموم من نار الشديد الحر فإن السموم في اللغة الريح الحارة، والريح الحارة فيها نار.
والفرق بين السموم والحرور أن السموم تكون غالباً بالنهار والحرور الريح الحارة بالليل، وقد تكون بالنهار كما في القاموس.
وقيل سميت سموماً لأنها بلطفها تنفذ في مسام البدن وهي ثقبه كالفم والمنخر والأذن، وقيل نار السموم نار لا دخان لها والصواعق تكون منها، وهي نار بين السماء والحجاب فإذا أحدث الله أمراً خرقت الحجاب فهوت إلى ما أمرت فالهدة التي تسمعون خرق ذلك، وقدم خلق الإنسان على الجان مع أنه خلق قبله تعظيماً لشأنه وإظهاراً لفضله وكان بين خلق آدم والجن ستون ألف سنة.
واتفق أهل العلم من أهل التحقيق إن عالم الملك مقدم خلقة على عالم الجان وعالم الجان مقدم على عالم الإنسان وانتقل ملك الدنيا إلى آدم ليحصل له الاعتبار بالسابقين ويظهر له الفضل على الكل بتأخيره عن جميع المخلوقات لأنه كالخاتم على الباب وهو خاتم المخلوقات ونتيجة الكائنات ونسخة الكليات من المحسوسات والمعقولات وبه تم كمال الوجود لتحقيقه بوصفي الجمال والجلال واللطف والقهر بخلاف الملك فإنه مخلوق على جناح واحد وهو اللطف.
قال المولى الجامي :
ملاتك را ه سود از حسن طاعت
و فيض عشق بر آدم فروريخت
ولم يكن قبل آدم خلق من التراب فخلق آدم منه ليكون عبداً خضوعاً وضوعاً ذلولاً مائلاً إلى السجود لأنه مقام العبودية الكاملة فكل جنس يميل إلى جنسه ولهذا تواضع آدمواستكبر إبليس عن التواضع فأبى وعلا وتكبر فمال إلى جنسه لأنه خلق من نار.
قال أهل الحكمة : لا شك أن الله تعالى قادر خلق آدم ابتداء على هيئة خاصة من مادة خاصة وإنما خلقه من تراب ثم من طين ثم من حمأ مسنون ثم من صلصال كالفخار إما لمحض المشيئة الإلهية التي هي محض الحكمة الجامعة إو لما فيه من دلالة الملائكة ومصلحتهم ومصلحة الخلق لأن خلق الإنسان من هذه الأمور أعجب من خلق الشيء من شكله وجنسه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٥٨
وإذ قال ربك أي : اذكر يا محمد وقت قوله تعالى للملائكة (بجهت خلافت زمين).