يقول الفقير : إن في هؤلاء الملائكة اختلافاً شديداً والحق ما ذهب إليه أكابر أهل الله تعالى من أن المقول لهم القول الآتي والساجدين لآدم عليه السلام هم الذين تنزلوا من مرتبة الأرواح إلى مرتبة الأجسام فدخل فيهم جبريل ونحوه من أكابر الملائكة وأصاغرهم سماوية كانت أو أرضية لأن كلهم ملتبسون
٤٥٨
بملابس الجسمانية اللطيفة فاللام لاستغراق الجنس وأما المراد بالعالين في قوله تعالى : استكبرت أم كنت من العالين}(ص : ٧٥) الملائكة المهيمون الذين بقوا في عالم الأرواح واستغرقوا في نور شهود الحق وليس لهم شعور بنفوسهم فضلاً عن آدم وغيره وهم خير من هذا النوع الإنساني في شرف الحال لا في الجمعية والكمال، والإنسان فوق الملائكة الأرضية والسماوية في رتبة الفضيلة والكمال بل في شرف الحال أيضاً لأنهم كلهم عنصريون مخلوقون بيد واحدة فليس لهم شرف حاله ولا رتبة كماله.
قال الحافظ :
فرشه عشق نداندكه يست قصه مخوان
بخوان جام وكلابي بخاك آدم ريز
﴿إِنِّى خَالِقُ﴾ فيما سيأتي البتة كما يدل عليه التعبير باسم الفاعل الدال على التحقيق بشراً قال في القاموس البشر محركة الإنسان ذكراً أو أنثى واحداً أو جمعاً وقد يثنى ويجمع اأشارا وظاهر جلد الإنسان من صلصال متعلق بخالق أو صفة لبشرا أي بشراً كائناً من صلصال كائن من حمأ مسنون تقدم تفسيره شاورهم الله تعالى بصورة الامتحان ليمييز الطيب أي الملك من الخبيث أي إبليس فسلم الملك وهلك إبليس ولذلك قيل عند الامتحان يكرم الرجل أو يهان.
وقيل : أخبرهم سبحانه بتكوين آدم قبل أن يخلقه ليوطنوا أنفسهم على فناء الدنيا وزوال ملكوتها كما قال تعالى لآدم اسكن أنت وزوجك الجنة}(البقرة : ٣٥) والسكنى لا تكون إلا على وجه العارية ليوطن نفسه على الخروج من الجنة.
قال الصائب :
مهياي فنارا از علائق نيست راويي
نيند يشد زخاك آنكس كه دا من دركمردارد
وإنما خلق الله آدم بعد جميع المخلوقات ليكون خاتم المخلوقات كسيد المرسلين خاتم الأنبياء فظهر فيه شرف الختم فهو بمنزلة خاتم الملك على باب الكنز الخاص.
﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ﴾ أي صورته بالصورة الإنسانية والخلقة البشرية ونفخت فيه من روحي النفخ إجراء الريح إلى تجويف جسم صالح لامساكها والامتلاء بها وهو كناية عن إيجاد الحياة ولا نفخ ثمة ولا منفوخ بل ليس عند الحقيقة إلالقاء الموجد اسم فاعل بالموجد اسم مفعول وسريان هويته إليه وظهور صفته وفعله فيه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٥٨
قال الشيخ عز الدين : النفخ عبارة عما اشعل نور الروح في المحل القابل فالنفخ سبب الاشعال وصورة النفخ في حق الله تعالى محال، والمسبب غير محال فعبر عن نتيجة النفخ بالنفخ وهو الاشعال، وأما السبب الذي اشتعل به نور الروح فهو صفة في الفاعل، وصفة في المحل القابل أما صفة الفاعل فالجود الذي هو ينبوع الوجود وهو فياض بذاته على كل موجود حقيقة وجوده ويعبر عن تلك الصفة بالقدرة ومثالها فيضان نور الشمس على كل قابل الاستنارة عند ارتفاع الحجاب بينهما والقابل هو الملونات دون الهواء الذي لا تلون له وأما صفة المحل القابل فالاستواء والاعتدال الحاصل في التسوية كما قال تعالى : فإذا سويته ومثال صفة القابل صقالة المرآة فإن المرآة قبل صقالتها لا تقبل الصورة وإن كانت محاذية لها فإذا صقلت حدثت صورة من ذي الصورة المحاذية لها فكذلك إذا حصل الاستواء في النطفة حدث فيها الروح.
آن صفاي آينه وصفت دلست
صورت بي منتهاراً قابلست
٤٥٩
أهل صيقل رسته اندازبوورنك
هر دمى بينند خوبى بي درنك
وإنما أضاف النفخ إلى ذاته لأنه تعالى باشر تسويته وتعديله فخلقه وسواه وعدله بيديه المقدستين ثم نفخ بذاته دون واسطة فيه من روحه الإضافي وهو نفسه الرحماني الذي يقال له الوجود الظلي المشار إليه بقوله : ألم تر إلى ربك كيف مد الظل}(الفرقان : ٤٥) نفخاً استلزم لكونه نفخاً بالذات فيما بوشرت تسويته باليدين معرفة الأسماء كلها جمالية لطفية كانت أو جلالية قهرية.
قال الشيخ عز الدين : الروح منزهة عن الجهة والمكان وفي قوتها العلم بجميع الأشياء والاطلاع عليها وهذه مناسبة ومضاهاة ليست لغيره من الجسمانيات فلذلك اختصت بالإضافة إلى الله تعالى.
قال الامام الجلدكي في "كتاب الإنسان" : من كتاب البرهان : جوهر الإنسان حقيقة واحدة في الفطرة الأولى ذات قوى كثيرة وهو المسمى عند الصوفية روحاً وقلباً وعند الحكيم نفساً ناطقة فإذا تعلق بالبدن انتشرت قواه واختفى نوره وحصل له مراتب كثيرة وعند احتجابه بغواشي النشأة واستحالته بالأمور الطبيعية يسمى نفساً، وعند تجرده وظهور نوره يسمى عقلاً، وعند إقباله على الحق ورجوعه إلى العالم القدسي ومشاهدته يسمى روحاً وباعتبار اطلاعه ومعرفته للحق وصفاته وأسمائه جمعاً وتفصيلاً يسمى قلباً وباعتبار إدراكه للجزئيات فقط واتصافه بالملكات والهيئات التي هي مصادر الأفعال يسمى نفساً انتهى كلامه.