جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٥٨
يقول الفقير : ذهب جمع من أهل السنة والجماعة منهم الغزالي والامام الرازي وفاقاً للحكماء والصوفية إلى أن الروح أثر مجرد غير حال بالبدن يتعلق به تعلق العاشق بالمعشوق يدبر أمره على وجه لا يعلمه إلا الله تعالى، وتحقيق المقام أن الروح سلطاني وحيواني فالأول من عالم الأمر ويقال له المفارق أيضاً لمفارقته عن البدن وتعلقه به تعلق التدبير والتصرف وهو لايغني بخراب هذا البدن وإنما يفنى تصرفه في الأعضاء ومحل تعينه هو القلب الصنوبري والقلب من عالم الملكوت.
قال في "التعريفات" الروح الأعظم هو الروح الإنساني مظهر الذات الإلهية من حيث ربوبيتها والثاني من عالم الخلق ويقال له القلب والعقل والنفس أيضاً وهو سار في جميع أعضاء البدن كما قال في "التعريفات" الروح الحيواني جسم لطيف منبعه تجويف القلب الجسماني وينتشر بواسطة العروق الضوارب إلى سائر أجزاء البدن وأقوى مظاهره الدم ومحل تعينه هو الدماغ، وهو أثر الروح السلطاني ومبدأ الأفعال والحركات، وهو بمنزلة الصفة من الذات فكما أن الأفعال الإلهية تبتني على اجتماع الذات بالصفة كذلك الأفعال تتفرع على اجتماع الروح السلطاني بالروح الحيواني، وكما أن الصفات الإلهية الكمالية كانت في بطن غيب الذات الأحدية قبل وجود هذه الأفعال والآثار، كذلك هذا الروح الحيواني كان بالقوة في باطن الروح السلطاني قبل تعلقه بهذا البدن.
قال حضرة شيخي قدس سره : في بعض تحريراته : غيب السر وهو السر الأخفى أي سر السر مظهر الوجود المطلق عن جميع التعينات السلبية والإيجابية بالإطلاق الذاتي الأصلي الحقيقي الوجودي لا بالإطلاق الإضافي النسبي الوهمي الاعتباري، والسر مظهر التعين الأول الذاتي الأحدي الجمعي والروح السلطاني مظهر التعين الثاني الصفاتي الواحد الفرقي، والروح الحيواني مظهر التعين الثالث الفعلي ولا حجاب إلا جهالة النفس بنفسها
٤٦٠
وغفلتها عنها فلو ارتفعت جهالتها وغفلتها لشاهدت الأمر وعاينته كما تشاهد الشمس في وسط السماء وتعاينها، اللهم ارفع الحجب عن القلوب حتى تنفتح أبواب الغيوب انتهى بعبارته.
قال الله تعالى في بعض كتبه المنزلة : اعرف نفسك يا إنسان تعرف ربك وقال عليه الصلاة والسلام :"اعرفكم بنفسه أعرفكم بربه" ومن فضل الله تعالى على الإنسان أن علمه طريق معرفته بأن جمع في شخصه مع صغر حجمه من العجائب ما يكاد يوازي عجائب كل العالم حتى كأنه نسخة مختصرة من هيئة العالم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٥٨
آدمي يست برزخى جامع
صورت خلق وحق درو واقع
متصل با دقائق جبروت
مشتمل بر حقائق ملكوت
ليتوسل الإنسان بالتفكر فيها إلى العلم بالله الذي هو أجل العلوم وأشرف المعارف.
ومعنى الآية فإذا كملت استعداده وجعلت فيه الروح حتى جرى آثاره في تجاويف أعضائه فحيي وصار حساساً متنفساً.
﴿فَقَعُوا لَهُ﴾ أمر من وقع يقع وفيه دليل على أنه ليس المأمور به مجرد الانحناء كما قيل أي : أسقطوا له ساجدين امتثالاً لأمر الله تعالى وتحية لآدم وتعظيماً وتكريماً له واسجدواعلى أنه عليه السلام بمنزلة القبلة حيث ظهر فيه تعاجيب آثار قدرته وحكمته.
يقول الفقير : لي رؤيا صادقة في هذا المقام وهي أني رأيت حضرة شيخي وسندي روح الله روحه في المنام في غاية من الانبساط فسألته عن بعض ما يتعلق بالموت فقال كنت على الطهارة الكاملة إلى آخر النفس فلما قبض روحي دخلت فجا يجري فيه عين ماء فتوضأت منه لأنه وقع الحدث بالنزع ثم عرج بي إلى السماء ثم رجعت إلى جنازتي فصليت علي مع الحاضرين فقلت له هل يبقى العقل والإدراك الذي في هذه النشأة الدنيوية على حاله؟ قال : نعم ثم أخذ بيدي وهو متبسم فقال لي مرتين كن معتقداً لي كأنه أظهر السرور من حسن اعتقادي له فاستيقظت ففي هذه الرؤيا أمور.
منها أن الوضوء ينتقض عند النزع وعليه بني مشروعية الغسل في الأصح والمؤمن الكامل طاهر في حياته ومماته فلا يتنجس والحدث غير التنجس ولو سلم فهو بالنسبة إلى الناقص.
والحاصل إنه يغسل الكامل غسل الناقص، لأنه على غير وضوء بحسب الظاهر ولأنه في هذه النشأة الدنيوية تابع للناقص فيما يتعلق بالأمور الظاهرة، ومنها بيان بقاء العقل والإدراك على حاله لأن العقل والإيمان والولاية ونحوها من صفات الروح وهو لا يتغير بالموت، ومنها أن الروح الكامل يشهد جنازته فيكون أسوة للناس في الصلاة فصلاته على نفسه إشارة إلى أن الكامل هو الساجد والمسجود له في مرتبة الحقيقة فعبادته له لا لغيره فافهم جداً، وصلاة الناس عليه إشارة إلى سجود الملائكة لآدم ولهذا شرعت صلاة الجنازة مطلقاً تحقيقاً لهذا السر العظيم ولا ينافيه كونها دعاء وثناء في مرتبة الشريعة إذ لكل مرتبة حد بحسب الوقوف عنده.