قال في التأويلات النجمية : فإذا سويته تسوية تجعله قابلاً لنفختي وللروح المضاف إليّ ونفخت فيه من روحي يشير بتشريف هذه الإضافة إلى اختصاص الروح بأعلى المرتب من الملكوت الأعلى وكمال قربه إلى الله كما قال : ونحن أقرب إليه من حبل الوريد}(ق : ١٦) وإلى اختصاصه بقبول النفخة فإنه تشرف بهذا
٤٦١
التشريف وخص به من سائر المخلوقات ﴿فَقَعُوا لَه سَـاجِدِينَ﴾ وذلك لأن الروح لما أرسل من أعلى مراتب القرب بنفخة الحق تعالى إلى أسفل سافلين القالب كان عبوره على الروحانيات والملائكة المقربين وهم خلقوا من نور فاندرجت أنوار صفاتهم في نور صفاته، كما تندرج أنوار الكواكب في نور الشمس ثم عبر عن الجن والشياطين فاتخذ زبدة خواص صفاتهم ثم عبر على الحيوانات فاستفاد منهم الحواس والقوى ثم تعلق بالقالب المخلوق بيد الله المخمر فيه لطف الله وقهره المستعد لقبول التجلى فلما خلق الله آدم وتجلى فيه قال لأهل الخطاب وهم الملائكة فقعوا له ساجدين لاستحقاق كماله في الخلقة وشرفه بالعلم وقابليته للتجلي.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٥٨
﴿فَسَجَدَ الملائكة﴾ أي : فخلقه فسواه فنفخ فيه الروح فسجد له الملائكة كلهم بحيث لم يشذ منهم أحد أرضياً كان أو سماوياً أجمعون بحيث لم يتأخر في ذلك أحد منهم عن أحد بل سجدوا مجتمعين.
يقول الفقير : هذا في الحقيقة تعظيم للنور المنطبع في مرآة آدم عليه السلام وهو النور المحمدي والحقيقة الأحمدية ولله در الحافظ في قوله :
ملك در سجده آدم زمين بوس تونيت كرد
كه در حسن تولطفي يافت بيش ازطور انساني
قوله : أجمعون تأكيد بعد تأكيد لكنه لوحظ فيه معنى الجمع والمعية بحسب الوضع كما تلاحظ المعاني الأصلية في الكنى، إذ لا ينافي إقامته مقام كل في إفادة معنى الإحاطة إفادة معنى زائد يقصد ضمناً وتبعاً، فإذا فهمت الإحاطة من لفظ آخر لم يكن بدّ من مراعاة الأصل صونا للكلام عن الإلغاء ولا ريب في أن السجود معاً أكمل أصناف السجود فيحمل عليه.
قال في بحر العلوم قالوا : هو نظير المفسر فإن قوله فسجد الملائكة ظاهر في سجود جميع الملائكة لأن الجمع المعرف باللام ظاهر في العموم يتناول كل واحد من الأفراد كالمفرد لكنه يحتمل التخصيص وإرادة البعض كما في قوله : وإذ قالت الملائكة يا مريم}(آل عمران : ٤٢) أي جبريل فبقوله كلهم انقطع ذلك الاحتمال وصار نصاً لازدياد وضوحه على الأول ولكنه يحتمل التأويل والحمل على التفرق فبقوله أجمعون انسد ذلك الاحتمال وصار مفسراً لانقطاع الاحتمال عن اللفظ بالكلية.
فإن قلت : قد استثنى إبليس فيكون محتملاً للتخصيص.
قلت : الاستثناء ليس بتخصيص.
﴿إِلا إِبْلِيسَ﴾ إبلس يئس وتحير ومنه إبليس أو هو أعجمي انتهى.
وعلى الثاني ليس فيه اشتقاق، وهو الأصح عند الجمهور والاستثناء متصل لأنه الأصل لأنه كان جنياً مفرداً مستوراً فيما بين الملائكة فأمر بالسجود معهم فغلبوا عليه في قوله فسجد الملائكة تغليب الذكر على الأنثى ثم استثنى كما يستثنى الواحد منهم استثناء متصلاً ونظيره قولك رأيتهم إلا هنداً، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال الله لجماعة من الملائكة اسجدوا لآدم فلم يفعلوا فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم ثم قال لجماعة أخرى اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٦٢
يقول الفقير : فيه إشكالان الأول إن عبادة الملائكة طبيعية فلا يتصور منهم التردد فضلاً عن الامتناع عن الامتثال للأمر الإلهي لا سيما أن إبليس لو شاهد تلك الحال لبادر إلى الامتثال خوفاً من سطوة الجلال اللهم إلا أن لا يكون بحضوره والثاني أن التأكيدين أفادا المعية والاجتماع وذلك بالنظر إلى جميع الملائكة وفيما ذكره تفريق لطائفة عن أخرى أبى أن يكون مع الساجدين أبى الشيء
٤٦٢
يأباه ويأبيه إباء وإباءة كرهه وأبيته إياه كما في القاموس وهو جواب قائل قال لم لم يسجد أي عدم سجوده لم يكن من تردده بل من إبائه واستكباره ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعاً فيتصل به ما بعده أي لكن إبليس أبى أن يكون معهم في السجود لآدم.
وفيه دلالة على كمال ركاكة رأيه حيث ادمج في معصية واحدة ثلاث معاص، مخالفة الأمر والاستكبار مع تحقير آدم ومفارقة الجماعة والإباء عن الانتظام في سلك أولئك المقربين الكرام.