قال أبو القاسم : الأنصاري إن الله باين بين الملائكة والجن والإنس في الصور والاشكال فإن قلب الله تعالى الملك إلى بنية الإنسان ظاهراً وباطناً خرج عن كونه ملكاً، وقس عليه غيره ﴿فَإِنَّكَ﴾ رحيم من الرجم بالحجر أي الرمي به وهو كناية عن الطرد لأن من يطرد يرجم بالحجارة على أثره أي مطرود من رحمة الله ومن كل خير وكرامة، أو من الرجم بالشهب وهو كناية عن كونه شيطاناً أي من الشياطين الذين يرجمون بالشهب وهو وعيد يتضمن الجواب عن شبهته فإن من عارض النص بالقياس فهو رجيم معلون.
وإن عليك اللعنة الإبعاد عن الرحمة وحيث كان من جهة الله
٤٦٤
تعالى وإن كان جارياً على ألسنة العباد وقيل في سورة ص وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين إلى يوم الجزاء والعقوبة وفيه إشعار بتأخير عقابه وجزائه إليه وأن اللعنة مع كمال فظاعتها ليست جزاء لفعله وإنما يتحقق ذلك يومئذٍ وحد اللعن بيوم الدين لأن عله اللعنة فيالدنيا فإذا كان يوم الدين اقترن له باللعنة عذاب ينسى عنده اللعنة.
وفي التبيان : هذا بيان للتأبيد لا للتوقيت كقوله : ما دامت السموات}(هود : ١٠٨) في التأبيد ويؤيده وقوع اللعن في ذلك اليوم كما قال تعالى :﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنُا بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّـالِمِينَ﴾ (الأعراف : ٤٤) وهو لعن مقارن بالعذاب الأليم نسأل الله الفوز والعاقبة، وإنما حكم عليه باللعنة لاستحقاقه لذلك بحسب الفطرة وفي الأزل فكانت غداءه إلى أبد الآباد.
وفي "المثنوى" :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٦٤
كر جهان باغى راز نعمت شود
قسم مور ومار هم خاكى بود
كرم سركين درمين آن حدث
در جهان نقلي نداند جز خبث
وفيه إشارة إلى أن إبليس النفس مأمور بسجود آدم الروح ومن دأبه وطبعه الإباء عن طاعة الله تعالى والاستكبار عن خليفة الله والامتناع عن سجوده وذلك في بدء خلقتهما على فطرة الله التي فطر الناس عليها فلما أمر إبليس بسجوده وأبى قال :﴿فَاخْرُجْ مِنْهَا﴾ أي : من فطرة الله المستعدة لقبول الكفر والإيمان فإنك رجيم مطرود عن جوارنا لأنك قبلت الكفر دون الإيمان وإن عليك اللعنة وهي من نتائج صفات القهر أي مقهوراً مبعداً عن مقام عبادنا المقبولين إلى يوم الدين أي إلى أن نولج ليل الدين في نهار الدين، وتطلع شمس شواهدنا من مشرق الروح وتصير أرض النفوس مشرقة بأنوار الشواهد، فتكون مطمئنة بها متبدلة صفاتها الذميمة الحيوانية المظلمة بأخلاق الروحانية الحميدة النورانية المستحقة لخطاب ارجعي كما في التأويلات النجمية قال إبليس عليه ما يستحق رب (اي روردكار) فانظرني الفاء متعلقة بمحذوف دل عليه فاخرج منها فإنك رجيم أي إذا جعلتني رجيماً فامهلني واخرني إلى يوم يبعثون أي آدم وذريته للجزاء بعد فنائهم، والبعث إحياء الميت كالنشر واراد بذلك أن يجد لأغوائهم ويأخذ منهم ثاره وينجو من الموت إذ لا موت بعد يوم البعث فأجابه إلى الأول دون الثاني، كما قال تعالى :
قال الله تعالى فإنك من المنظرين أي : من جملة الذين أخرت آجالهم أزلاً ودل على أن ثمة منظرين غير إبليس وهم الملائكة فإنهم ليسوا بذكور ولا إناث ولا يتوالدون ولا يأكلون ولا يشربون ولا يموتون إلى آخر الزمان وأما الشياطين فذكور وإناث يتوالدون ولا يموتون بل يخلدون كما خلد إبليس، وأما الجن فيتوالدون وفيهم ذكور وإناث ويموتون.
بلغ الحجاج بن يوسف أن بأرض الصين مكاناً إذا أخطأوا فيه الطريق سمعوا صوتاً يقول : هلموا إلى الطريق ولا يرون أحداً فبعث ناساً وأمرهم أن يتخاطؤوا الطريق عمداً، فإذا قالوا لكم هلموا إلى الطريق فاحملوا عليهم فانظروا ما هم ففعلوا ذلك قال فدعوهم فقالوا هلموا إلى الطريق فحملوا عليهم، فقالوا : إنكم لن ترونا فقلت منذ كم أنتم ههنا قالوا ما نحصي السنين غير أن الصين خربت ثماني مرات وعمرت ثماني مرات ونحن ههنا، والصين موضع بالكوفة، ومملكة بالمشرق منها الأواني الصينية وبلدة بأقصى الهند.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : إن إبليس إذا مرت عليه الدهور وحصل له الهرم عاد ابن ثلاثين سنة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٦٤
ويقال : إن الخضر عليه السلام يجدده
٤٦٥
الله تعالى في بدنه في كل مائة وعشرين سنة فيعود شاباً وهو من المنظرين، كما في الأخبار الصحيحة وهذه المخاطبة وإن لم تكن بواسطة لكن لا تدل على علو منصب إبليس ؛ لأن خطاب الله تعالى له على سبيل الإهانة والإذلال كما في التفاسير.
وقال بعضهم : الصحيح أنه لا يجوز أن يكون كلمه كفاحاً أي شفاهاً ومواجهة وإنما كلمه على لسان ملك، لأن كلام الباري لمن كلمه رحمة ورضى وتكرّم وإجلال، ألا ترى أن موسى عليه السلام فضل بذلك على سائر الأنبياء ما عدا الخليل ومحمداً عليهما السلام وجميع الآي الواردة محمولة على أنه أرسل إليه بملك يقول له.
فإن قلت : أليس رسالته إليه أيضاً تشريفاً.


الصفحة التالية
Icon