[الحجر : ٥٤-١٧٦]﴿قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِى﴾ (اي رورد كار من) الباء للقسم وما مصدرية والجواب لأزينن لهم أي : أقسم بأغوائك إياي لأزيينن لهم أي لذرية آدم المعاصي والشهوات واللذات فالمفعول محذوف.
والأغواء (بي راه كردن) يقال غوى غواية ضل.
والتزيين (بياراستن).
في الأرض أي في الدنيا التي هي دار الغرور كما في قوله تعالى : أخلد إلى الأرض}(الأعراف : ١٧٦) لأن الأرض محل متاعها ودارها.
وفي "التبيان" : أزين لهم المقام في الأرض كي يطمئنوا إليها وإقسامه بعزة الله المفسرة بسلطانه وقهره كما في قوله :﴿فَبِعِزَّتِكَ﴾ لا ينافي إقسامه بهذا فإنه فرع من فروعها وأثر من آثارها فلعله اقسم بهما جميعاً فحكى تارة قسمه بصفة فعل وهو الأغواء وأخرى بصفة ذاته وهي العزة.
قال الكاشفي :(برخى برانندكه دربما اغويتني باسببي است يعني سبب آنكه مراكمراه كردى من بيارايم معاصي رابشم مردمان) وجعله سعدى المفتى أوى لأن جعل الأغواء مقسماً به غير متعارف
٤٦٧
إذ الإيمان مبنية على العرف (هره بعرف مردمان آنرا سوكند توان كفت يمين است وإلا لا).
يقول الفقير حفظه الله القدير : سمعت من حضرة شيخي وسندي روح الله روحه آن آدم عليه السلام كاشف عن شأنه الذاتي فسلك طريق الأدب حيث قال ربنا ظلمنا أنفسنا}(الأعراف : ٢٣) وأما إبليس فلم يكن له ذلك ولذلك قال :﴿بِمَآ أَغْوَيْتَنِى﴾ حيث أسند الأغواء إلى الله تعالى إذ تلك الغواية كانت ثابتة في عينه العلمية وشأنه الغيبي فاقتضت الظهور في هذا العالم، فأظهرها الله تعالى ومن المحال أن يظهر الله تعالى ما ليس بثابت ولا مقدر، وقولهم السعادة الأزلية والعناية الرحمانية من طريق الأدب وإلا فأحوال كل شيء تظهر لا محالة فاسمع واحفظ وصن.
قال الحافظ :
ير ما كفت خطا بر قلم صنع نرفت
آفرين بر نظر اك خطا وشش بود
ولأغوينهم أجمعين ولأحملنهم أجمعين على الغواية والضلالة.
إلا عبادك منهم المخلصين الذين أخلصتهم لطاعتك وطهرتهم من شوائب الشرك الجلي والخفي، فلا يعمل فيهم كيدي فإنهم أهل التوحيد الحقيقي على بصيرة من أمرهم ويقظة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٦٧
وفي التأويلات النجمية : أخلصتهم من حبس الوجود بجذبات الألطاف وأفنيتهم عنهم بهويتك.
ومما كتب لي حضرة شيخي وسندي قدس سره في بعض مكاتيبه الشريفة : أن الصادق والمخلص بالكسر من باب واحد وهو التخلص من شوائب الصفات النفسانية مطلقاً والصديق والمخلص بالفتح من باب واحد وهو التخلص أيضاً من شوائب الغيرية، والثاني أوسع فلكا وأكثر إحاطة فاجتهد في اللحوق بأصحاب الثاني حتى تأمن من جميع الأغيار والأكدار وكفاك في شرف الصدق أن اللعين ما رضى لنفسه الكذب حتى استثنى المخلصين.
قال الحافظ :
طريق صدق بياموز از آب صافي دل
براستى طلب ازاد كي وسرو من
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول : قال إبليس لربه عز وجل بعزتك وجلالك لا أبرح أغوى بني آدم ما دامت الأرواح فيهم، فقال الله تعالى وعزتي وجلالي لا أزال اغفر لهم ما استغفروني وفي الحديث : لما لعن إبليس قال فبعزتك لا أفارق قلب ابن آدم حتى يموت قال قيل له وعزتي لا أحظر عنه التوبة حتى يغرغر بالموت وإنما خلق الله إبليس ليميز به العدو من الحبيب، والشقي من السعيد، فخلق الله الأنبياء ليقتدى بهم السعداء، وخلق إبليس ليقتدى به الأشقياء، ويظهر الفرق بينهما فإبليس دلال وسمسار على النار، والخلاف وبضاعته الدنيا ولما عرضها على الكافرين قيل : ما ثمنها؟ قال ترك الدين فاشتروها بالدين، وتركها الزاهدون واعرضوا عنها، والراغبون فيها لم يجدوا في قلوبهم ترك الدين ولا الدنيا فقالوا له أعطنا مذاقة منها حتى ننظر ما هي فقال إبليس أعطوني رهناً فأعطوه سمعهم وأبصارهم ولذا يحب أرباب الدنيا استماع أخبارها ومسارها ومشاهدة زينتها لأن سمعهم وبصرهم رهن عند إبليس فأعطاهم المذاقة بعد قبض الرهن فلم يسمعوا من الزهاد عيب الدنيا ولم يبصروا قبائحها بل استحسنوا زخرفها ومتاعها فلذلك قيل حبك الشيء يعمى ويصم.
ودخل قوم على أبي مدين فشكوا وسوسة الشيطان فقال : قد خرج من عندي الساعة وشكا منكم وقال قل : لأصحابك يتركوا دنياي حتى اترك لهم دينهم ومتى تعرضوا لمتاعي
٤٦٨
الدنيا اتشبث بمتاعهم الآخرة.
قال أحمد بن حنبل رحمه الله أعداؤك أربعة الدنيا وسلاحها لقاء الخلق وسجنها العزلة.
جامى بملك ومال وهر سفله دل مبند
كنج فراغ وكنج قناعت ترا بس است
والشيطان وسلاحه الشبع وسجنه الجوع
جوع باشد غذاي أهل صفا
محنت وابتلاي أهل هوا
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٦٧
والنفس وسلاحها النوم وسجنها السهر.
نركس اندر خواب غفلت يافت بلبل صدوصال
خفته تابينا بود دولت به بيداران رسد
والهوى وسلاحه الكلام وسجنه الصمت.
اكر بسيار دانى ادنكى كوى
يكى را صد مكو صدرا يكى كوى


الصفحة التالية
Icon