قال ومن يقنط استفهام إنكاري أي لا يقنط من رحمة ربه (از بخشش آفريده كارخود) إلا الضالون أي : المخطئون طريق المعرفة والصواب فلا يعرفون سعة رحمته وكمال علمه وقدرته كما قال يعقوب عليه السلام لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون}(يوسف : ٨٧) ومراده نفي القنوط عن نفسه على أبلغ وجه أي ليس بي قنوط من رحمته تعالى وإنما الذي أقول لبيان منافاة حالي لفيضان تلك النعمة الجليلة علي.
وفيه إشارة إلى أن بشارته بغلام عليم مع كبره وكبر امرأته بشارة للطالب الصادق وإنه وإن كان مسناً قد ضعف جسمه وقواه، وعجز عن جهاد النفس ومكابدتها واستعمالها في مباشرة الطاعات والأعمال البدنية ويؤئسه الشيطان من نيل درجات القرب لأن أسباب تحصيل الكمال قد تناهت ومعظمها العمر والشباب، ولهذا قال المشايخ : الصوفي بعد الأربعين بارد فلا يقنط من رحمة ربه ويتقرب إليه بأعمال القلبية ليتقرب إليه ربه بأصناف الطاف الربوبية وجذبات أعطافه فيخرج من صلب روحه ورحم قلبه غلاماً عليماً بالعلوم اللدنية والرسوم الدينية، وهو واعظ الله الذي في قلب كل مؤمن وقد اشتغل أفراد كالقفال والقدوري بعد كبرهم ففاقوا على علمهم وراقوا بمنظرهم ولطف الله تعالى واصل على كل حال.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٧٤
قال في "شرح الحكم" من استغرب أن ينقذه الله من شهوته التي أعتقلته عن الخيرات وأن يخرجه من وجود غفلته التي شملته في جميع الحالات فقد استعجز القدرة الإلهية والله تعالى يقول :﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ مُّقْتَدِرًا﴾ فأبان سبحانه أن قدرته شاملة صالحة لكل شيء وهذا من الأشياء وإن أردت الاستعانة على تقوية رجائك في ذلك فانظر لحال من كان مثلك ثم أنقذه الله وخصه بعنايته كإبراهيم بن أدهم والفضيل ابن عياض وابن المبارك وذي النون ومالك بن دينار وغيرهم من مجرمي البداية.
تا سقاهم ربهم آيد جواب
تشنه باش والله أعلم بالصواب
قال في تاج العروس : من قصر عمره فليذكر بالأذكار الجامعة مثل سبحان الله عدد خلقه ونحو ذلك والمراد بقصر العمر أن يكون رجوعه إلى الله في معترك المنايا ونحوها من الأمراض المخوفة والأعراض المهولة.
دع التكاسل تغنم قد جرى مثل
كه زاد راهروان ستيست والاكى
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٧٤
﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ﴾ أي : أمركم وشأنكم الخطر لعل إبراهيم عليه السلام علم بالقرائن أن مجيء الملائكة ليس لمجرد البشارة، بل لهم شأن آخر لأجله أرسلوا فكأنه قال إن لم يكن شأنكم مجرد البشارة فماذا هو؟
قالوا أي الملائكة إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين مصرين على إجرامهم متناهين في آثامهم وهم قوم لوط.
إلا آل لوط استثناء متصل من الضمير في مجرمين، أي إلى قوم أجرموا جميعاً إلا آل لوط يريد أهله المؤمنين فالقوم والإرسال شاملان للمجرمين وغيرهم.
والمعنى إنا أرسلنا إلى قوم أجرم كلهم إلا آل لوط لنهلك الأولين وننجى الآخرين، واكتفى بنجاة الآل لأنهم إذا نجوا وهم تابعون فالمتبوع وهو لوط أولى بذلك ولوط بن هاران بن تارخ وهو ابن أخي إبراهيم
٤٧٥
الخليل، كان قد آمن به وهاجر معه إلى الشام بعد نجاته من النار، واختتن لوط مع إبراهيم وهو ابن ثلاث وخمسين وإبراهيم ابن ثمانين أو مائة وعشرين فنزل إبراهيم فلسطين، وهي البلاد التي بين الشام ومصر منها الرملة وغزة وعسقلان وغيرها ونزل لوط الأردنّ، وهي كورة بالشام فأرسل الله لوطاً إلى أهل سدوم بالدال وكانت تعمل الخبائث فأرسل الله إليهم ملائكة للإهلاك.
إنا لمنجوهم أجمعين أي مما يصيب القوم من العذاب وهو قلب مدائنهم.
إلا امرأته استثناء من الضمير واسمها واهلة.
قدرنا حكمنا وقضينا إنها لمن الغابرين الباقين مع الكفرة لتهلك معهم وأسند الملائكة فعل التقدير إلى أنفسهم وهو فعل الله تعالى لما لهم من القرب والاختصاص كما يقول خاصة الملك أمرنا بكذا والآمر هو الملك.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٧٥
﴿فَلَمَّا جَآءَ ءَالَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ﴾ أي : الملائكة، قال لوط إنكم قوم منكرون غرباء لا يعرفون أو ليس عليكم زي السفر ولا أنتم من أهل الحضر فأخاف أن تطرقوني بشر.
قالوا ما جئناك بما تنكرنا لأجله.
بل جئناك (بلكه آمده ايم بتو) بما كانوا فيه يمترون أي : بما فيه سرورك وتشفيك من عدوك، وهو العذاب الذي كنت تتوعدهم بنزوله فيمترون في وقوعه، أي يشكون ويكذبونك جهلاً وعناداً.
وأتيناك (آورده ايم بتو) بالحق بالمتيقن الذي لا مجال فيه للامتراء والشك وهو عذابهم.
وإنا لصادقون في الأخبار بنزوله بهم.
فأسر بأهلك فاذهب بهم من السرى وهو السير في الليل.


الصفحة التالية
Icon