قومه كبناته فإن كل نبي أبو أمته من حيث الشفقة والتربية رجالهم بنوه ونساؤهم بناته، أو أراد بناته الصلبية أي فتزوجوهن ولا تتعرضوا للأضياف وقد كانوا من قبل يطلبونهن ولا يجيبهم لخبثهم وعدم كفاءتهم لا لعدم مشروعية المناكحة بين المسلمات والكفار فإن نكاح المؤمنات من الكفار كان جائزاً فأراد أن يقي أضيافه ببناته كرماً وحمية.
وقيل : كان لهم سيدان مطاعان فأراد أن يزوجهما ابنتيه ايثا وزعورا إن كنتم فاعلين قضاء الشهوة فيما أحل الله دون ما حرم فإن الله تعالى خلق النساء للرجال لا الرجال للرجال.
وفي الآيات فوائد :
الأولى : أن إكرام الضيف ورعاية الغرباء من أخلاق الأنبياء والأولياء وهو من أسباب الذكر الجميل.
قال الحافظ :
تيمار غريبان سبب ذكر جميلست
جانا مكراين قاعده در شهر شمانيست
وقال السعدي قدس سره :
غريب آشنا باش وسياح دوست
كه سيح جلاب نام نكوست
وفي الحديث : من أقام الصلاة وآتى الزكاة وصام رمضان وقرى الضيف دخل الجنة كما في الترغيب.
والثانية : أنه لا بد لكل مؤمن متق أن يسد باب الشر بكل ما أمكن له من الوجوه ألا ترى أن لوطاً عليه السلام لما لم يجد مجالاً لدفع الخبيثين عرض عليهم بناته بطريق النكاح وإن كانوا غير أكفاء دفعاً للفساد.
والثالثة : أن محل التمتع هي النساء لا الرجال، كما قالوا ضرر النظر في الأمرد أشد لامتناع الوصول في الشرع لأنه لا يحل الاستمتاع بالأمرد أبداً.
قال السعدي قدس سره :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٧٧
خرابت كند شاهد خانه كن
برو خانه آباد كردان بزن
نشايد هوس باختن باكلى
كه هر بامدادش بود بلبلى
مكن بد بفرزند مردم نكاه
كه فرزند خويشت برآيد تباه
ر اطفل يكروزه هوشش نبرد
كه در صنع ديدن ه بالغ ه خرد
محقق همي بيند از آب وكل
كه در خو برويان ين وكل
لعمرك قسم من الله تعالى بحياة النبي وهو المشهور وعليه الجمهور والعمر بالفتح والضم واحد وهو البقاء إلا أنهم خصوا القسم بالمفتوح لإيثار الأخف، لأن الحلف كثير الدور على ألسنتهم ولذلك حذفوا الخبر وتقديره لعمرك قسمي كما حذفوا الفعل في قولهم : تالله إنهم أي : قوم لوط لفي سكرتهم غوايتهم أو شدة غلمتهم التي أزالت عقولهم وتمييزهم بين الخطأ الذي هم عليه والصواب الذي يشار به إليهم من ترك البنين إلى البنات.
يعمهون يتحيرون ويتمارون، فكيف يسمعون النصح.
قال في القاموس : العمه التردد في الضلال والتحير في منازعة أو طريق أو أن لا يعرف الحجة عمه كجعل وفرح عمها وعموها وعموهة وعمهانا فهو عمه وعامه انتهى.
ويعمهون حال من الضمير في الجار والمجرور كما في بحر العلوم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : ما خلق الله تعالى نفساً أكرم على الله من محمد وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره.
وفي التأويلات النجمية هذه مرتبة
٤٧٨
ما نالها أحد من العالمين إلا سيد المرسلين وخاتم النبيين عليه الصلاة والسلام من الأزل إلى الأبد وهو أنه تعالى أقسم بحياته فانياً عن نفسه باقياً بربه كما قال تعالى : إنك ميت}(الزمر : ٣٠) أي ميت عنك حي بنا وهو مختص بها المقام المحمود انتهى.
ون نبي ازهستى خود سر بتافت
فرق اكش از لمرك تاج يافت
داشت از حق زندكى دربندكى
شد لعمرك جلوه آن زندكى
واعلم أن الله تعالى قد أقسم بنفسه في القرآن في سبعة مواضع والباقي من القسم القرآني قسم بمخلوقاته كقوله :﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ﴾.
﴿وَالصَّـافَّـاتِ﴾.
﴿وَالشَّمْسَ﴾.
﴿وَالضُّحَى﴾ ونحوها.
فإن قلت : ما الحكمة في معنى القسم من الله تعالى؟ فإن كان لأجل المؤمن فالمؤمن يصدق بمجرد الأخبار من غير قسم وإن كان لأجل الكافر فلا يفيده.
قلت : إن القرآن نزل بلغة العرب ومن عادتها القسم إذا أرادت أن تؤكد أمراً.
فإن قلت : ما الحكمة في أن الله تعالى قد أقسم بالخلق وقد ورد النهي عن القسم بغير الله تعالى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٧٧
قلت في ذلك وجوه :
أحدها : أنه على حذف مضاف أي ورب التين ورب الشمس وواهب العمر.
والثاني : أن العرب كانت تعظم هذه الأشياء وتقسم بها فنزل القرآن على ما يعرفون.
والثالث : أن الإقسام إنما يكون بما يعظم المقسم بالمصنوعات يستلزم القسم بالصانع لأن ذكر المفعول يستلزم ذكر الفاعل إذ يستحيل وجود مفعول بغير فاعل فهو يقسم بما شاء من خلقه وليس لأحد أن يقسم إلا بالله وهذا كالنهي عن الامتنان قال الله تعالى : بل الله يمن عليكم}(الحجرات : ١٧) وعن تزكية النفس ومدحها وقد مدح الله تعالى نفسه وقد أقسم الله تعالى بالنبي عليه الصلاة والسلام في قوله :[الحجر : ٧٢-١]﴿لَعَمْرُكَ﴾ ليعرف الناس عظمته عند الله ومكانته عند الله ومكانته لديه فالقسم إما لفضيلة أو لمنفعة كقوله : والتين والزيتون}(التين : ١) وكان الحلف بالآباء معتاداً في الجاهلية فلما جاء الله تعالى بالإسلام نهاهم الرسول عليه السلام عن الحلف بغير الله تعالى.
واختلف في الحلف بمخلوق والمشهور عند المالكية كراهيته وعند الحنابلة حرام.


الصفحة التالية
Icon