ولما ضرب جعفر بن سليمان العباسي والى المدينة مالكاً رضي الله عنه ونال منه وحمل مغشيا وأفاق قال أشهدكم أني جعلت ضاربي في حل ثم سئل فقال خفت أن أموت وألقى النبي واستحيي منه أن يدخل بعض آله النار بسببي.
ولما قدم المنصور المدينة ناداه ليقتص له من جعفر فقال أعوذ بالله والله ما ارتفع منها سوط إلا وقد جعلته في حل لقرابته من رسول الله.
قيل : الحلم ملح الأخلاق.
وكانت عائشة رضي الله عنها تبكي على جارية فقيل لها في ذلك فقالت أبكي حسرة على ما فاتني من تحمل السفه منها والحلم عن سوء خلقها فإنها سيئة الخلق.
والإشارة وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق أي إلا مظهر الآيات الحق بالحق لأرباب الحق المكاشفين بصفات الحق فإنه لا شعور للسموات والأرض وما بينهما من غير الإنسان بأنها مظهر لآيت الحق وإنما الشعور بذلك للإنسان الكامل كما قال : إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب}(آل عمران : ١٩٠) وهم الذين خلص لب أخلاقهم الربانية من قشر صفاتهم الإنسانية وفيه معنى آخر ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَـاوَاتِ﴾ أي سموات الأرواح
٤٨٥
والأرض أي أرض الأشباح وما بينهما من النفوس والقلوب والأسرار والخفيات إلا بالحق أي إلا لمظهر الحق ومظهره الإنسان فإنه مخصوص به من بين سائر المخلوقات والمكونات لأنه بجميع مبانيه الظاهرة ومعانيه الباطنة مرآة لذات الحق تعالى وصفاته فهو مظهره عند التزكية والتصفية ومظهره عند التخلية والتحلية لشعوره بذلك كما كان حال من صقل مرآته عن صدأ أنانيته وتجلى بشهود هويته عند تجلى ربوبيته بالحق فقال أنا الحق ومن قال بعد فناء أنانيته عند بقاء السبحانية سبحاني ما أعظم شأني.
وفي قوله : وإن الساعة لآتية إشارة إلى أن قيامة العشق لآتية لنفوس الطالبين الصادقين من أصحاب الرياضات في مكابدة النفس ومجاهدتها لأن الطلب والصدق والاجتهاد من نتائج عشق القلب وإنه سيتعدى إلى النفس لكثرة الاجتهاد في رياضتها فتموت عن صفاتها في قيامة العشق ومن مات فقد قامت قيامته فاصفح الصفح الجميل يا أيها الطالب الصادق عن النفس المرتاضة بأن تواسيها وتدارسها ولا تحمل عليها إصراً ولا تحملها ما لا طاقة لها به فإن في قيامة العشق يحصل من تزكية العشق في لحظة واحدة ما لا يحصل بالمجاهدة في سنين كثيرة لأن العشق جذبة الحق وقال : جذبة من جذبات الحق توازي عمل الثقلين إن ربك هو الخلاق العليم يشير بالخلاق وهو للمبالغة إلى إنه تعالى خالق لصور المخلوقات ومعانيها وحقائقها العليم بمن خلقه مستعداً لمظهرية ذاته وصفاته ومظهريتهما له شعوره بهما كذا في التأويلات النجمية.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٨٤
[الحجر : ٨٧-٢٣]﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَـاكَ﴾ قال الحسين بن الفضل : إن سبع قوافل وافت من بصري واذرعات ليهود قريظة والنضير في يوم واحد بمكة فيها أنواع من البزوأ فاويه الطيب والجوهر وأمتعة البحر فقالت المسلمون : لو كانت هذه الأموال لنا لتقوينا بها وأنفقناها في سبيل الله فانزل الله هذه الآية وقال قد أعطيتكم سبع آيات هي خير لكم من هذه السبع القوافل ويدل على صحة هذا قوله تعالى على أثرها.
لا تمدن عينيك الآية كما في أسباب النزول للامام الواحدي (ودرتيسير آورده كه هفت كاروان قريش دريكروز بمكه در آمدند بامطاعم بسيار وملابس بيشمار ودر خاطر مبارك حضرت خطور فرمودكه مؤمنان راكرسنه وبرهنه كذارانند ومشركانرا اين همه مال باشد) فقال الله تعالى : ولقد آتيناك يا محمد سبعاً هي الفاتحة لأنها مائة وثلاثة وعشرون حرفاً وخمس وعشرون كلمة وسبع آيات بالاتفاق غير إن منهم من عد أنعمت عليهم دون التسمية ومنهم من عكس.
من المثاني وهي القرآن ومن للتبعيض كما قال تعالى في سورة الزمر الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني}(الزمر : ٢٣) جمع مثنى لأنه ثنى فيه أي كرر في القرآن الوعد والوعيد والأمر والنهي والثواب والعقاب والقصص كما في "الكواشي" [الحجر : ٨٧-٣٠]﴿وَالْقُرْءَانَ الْعَظِيمَ﴾ (وديكر داديم ترا قرآن عظيم كه نزد ما قدر او بزرك وثواب أو بسيارت) وهو من عطف الكل على البعض وهو السبع ويجوز أن يكون من للبيان فالسبع هي المثاني كقوله : فاجتنبوا الرجس من الأوثان}(الحج : ٣٠) يعني : اجتنبوا الأوثان وتسمية الفاتحة مثاني لتكرر قراءتها في الصلاة ولأنها تثنى بما يقرأ بعدها في الصلاة من السورة والآيات لأن نصفها ثناء العبد لربه ونصفها عطاء الرب للعبد ويؤيد هذا الوجه قوله عليه السلام لأبي سعيد لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن قال ما هي قال :"الحمد لله
٤٨٦
رب العالمين وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته" وهذا يدل على جواز إطلاق القرآن على بعضه.
قال في "فتح القريب" : عطف القرآن على السبع المثاني ليس من باب عطف الشيء على نفسه وإنما هو من باب ذكر الشيء بوصفين أحدهما معطوف على الآخر أي هي الجامعة لهذين الوصفين.


الصفحة التالية
Icon