والإشارة قال الله تعالى لنبيه وهو الإنسان الكامل.
ولقد آتيناك سبعاً هي سبع صفات ذاتيةتبارك وتعالى السمع والبصر والكلام والحياة والعلم والإرادة والقدرة من المثاني أي من خصوصية المثاني وهي المظهرية، والمظهرية لذاته وصفاته مختصة بالإنسان، فإن غير الإنسان لم توجد له المظهرية ولو كان ملكاً، ومن ههنا يكشف سر من أسرار وعلم آدم الأسماء كلها فمنها أسماء صفات الله وذاته، لأن آدم كان مظهرها ومظهرها وكان الملك مظهر بعض صفاته ولم يكن مظهراً ولذا قال تعالى : ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين}(البقرة : ٣١) فلما لم يكونوا مظهرها وكانوا مظهر بعضها ﴿قَالُوا سُبْحَـانَكَ لا عِلْمَ لَنَآ إِلا مَا عَلَّمْتَنَآ﴾ (البقرة : ٣٢) ولهذا السر اسجد الله الملائكة لآدم عليه السلام [الحجر : ٨٧-٤]﴿وَالْقُرْءَانَ الْعَظِيمَ﴾ أي : حقائقه القائمة بذاته تعالى وخلقاً من أخلاقه القديمة بأن جعل القرآن العظيم خلقه العظيم كما قال تعالى : وإنك لعلى خلق عظيم}(القلم : ٤) ولما سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي صلى الله عليه وسلّم قالت كان خلقه القرآن وفي قوله :﴿لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ﴾ إلى ما متعنا به أزواجاً منهم إشارة إلى أن الله تعالى إذا أنعم على عبده ونبيه بهذه المقامات الكريمة والنعم العظيمة يكون من نتائجها أن لا يمد عينيه لا عين الجسماني ولا عين الروحاني إلى ما متع الله به أزواجاً من الدنيا والآخرة منهم أي من أهلها ولا تحزن عليهم أي : على ما فاته من مشاركتهم فيها كما كان حالة رسول الله ليلة المعراج إذ يغشى السدرة ما يغشى من نعيم الدارين ما زاغ البصر برؤيتها وما طغى بالميل إليها ثم قال : واخفض جناحك للمؤمنين في هذا المقام قياماً بأداء تشكر نعم الله وتواضعا له لنزيدك بهما في النعمة والرفعة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٨٧
وفيه معنى آخر واخفض بعد وصولك إلى مقام المحبوبية جناحك لمن اتبعك من المؤمنين لتبلغهم على جناح همتك العالية إلى مقام المحبوبية يدل على هذا التأويل قوله تعالى : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}(آل عمران : ٣١) كما في "التأويلات النجمية".
﴿كَمَآ أَنزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ﴾ هو من قول الله تعالى لا من قول الرسول عليه الصلاة والسلام متعلق بقوله ولقد آتيناك لأنه بمعنى أنزلنا أي أنزلنا عليك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم
٤٨٨
إنزالاً مماثلاً لإنزال الكتابين على اليهود والنصارى المقتسمين.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٨٧
﴿الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْءَانَ﴾ المنزل عليك يا محمد عضين أجزاء.
وبالفارسية (اره اره يعني بخش كردند قرآنرا) والموصول مع صلته صفة مبينة لكيفية اقتسامهم أي قسموا القرآن إلى حق وباطل حيث قالوا عناداًو عدوانا بعضه حق موافق للتوراة والإنجيل وبعضه باطل مخالف لهم وهذا المعنى مروى عن ابن عباس رضي الله عنهما.
والغرض بيان المماثلة بين الايتاءين لا بين متعلقيهما كما في الصلوات الخليلية فإن التشبيه فيها ليس لكون رحمة الله الفائضة على إبراهيم وآله أتم وأكمل مما فاض على النبي عليه الصلاة والسلام وإنما ذلك للتقدم في الوجود فليس في التشبيه إشعار بأفضلية المشبه به من المشبه فضلاً عن إيهام أفضلية ما تعلق به الأول مما تعلق به الثاني فإنه عليه الصلاة والسلام أوتي ما لم يؤت أحد قبله ولا بعد مثله.
وعضين جمع عضة هي الفرقة والقطعة أصلها عضوة فعلة من عضى الشاة تعضية إذا جعلها أعضاء، وإنما جمعت جمع السلامة جبراً للمحذوف وهو الواو كسنين وعزين والتعبير عن تجزية القرآن بالتعضية التي هي تفريق الأعضاء من ذي الروح المستلزم لإزالة حياته وإبطال اسمه دون مطلق التجزئة والتفريق اللذين يوجدان فيما لا يضره التبعيض من المثليات للتنصيص على كمال قبح ما فعلوه بالقرآن العظيم هذا.
وقد قال بعضهم : المقتسمون اثنا عشر أو ستة عشر رجلاً بعثهم الوليد بن المغيرة أيام موسم الحج فاقتسموا عقاب مكة وطرقها وقعدوا على أبوابها فإذا جاء الحاج قال واحد منهم لا تغتروا بهذا الرجل فإنه مجنون وقال آخر كاهن وآخر عرّاف وآخر شاعر وآخر ساحر فثبط كل واحد منهم الناس عن اتباعه عليه الصلاة والسلام ووقعوا فيه عندهم فأهلكهم الله يوم بدر وقبله بآفات وعلى هذا فيكون الموصول مفعولاً أولاً لأنذر الذي تضمنه النذير أي أنذر لمعضين الذين يجزؤون القرآن إلى شعر وسحر وكهانة وأساطير الأولين مثل ما أنزلنا على المقتسمين أي سننزل على أن يجعل المتوقع كالواقع وهو من الاعجاز لأنه إخبار بما سيكون وقد كان وهذا المعنى هو الأظهر ذكره ابن إسحاق كذا في التكملة لابن عساكر.


الصفحة التالية
Icon