فوربك لنسألنهم أجمعين أي لنسألن يوم القيامة أصناف الكفرة من المقتسمين وغيرهم سؤال توبيخ وتقريع بأن يقال لم فعلتم وقوله تعالى : فيومئذٍ لا يسأل عن ذنبه أنس ولا جان}(الرحمن : ٣٩) أي : لا يسألون أي شيء فعلتم ليعلم ذلك من جهتهم لأن سؤال الاستعلام محال على الملك العلام ويجوز أن يكون السؤال مجازاً عن المجازاة لأنه سببها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٨٩
﴿عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ من قول وفعل وترك.
وقال في بحر العلوم فإن قلت : قد ناقض هذا قوله : فيومئذٍ لا يسأل عن ذنبه أنس ولا جان}(الرحمن : ٣٩) قلت إن يوم القيامة يوم ويل مقدار خمسين ألف سنة ففيه أزمان وأحوال مختلفة في بعضها لا يسألون ولا يتكلمون كما قال النبي عليه الصلاة والسلام :"تمكثون الف عام في الظلمة يوم القيامة لا تتكلمون" وفيها بعضها يسألون ويتساءلون قال الله تعالى :﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ﴾ (الطور : ٥) وفي بعضها يتخاصمون.
وقال كثير من العلماء : يسألهم عن لا إله إلا الله وهي كلمة النجاة وهي كلمة الله العليا لو وضعت في كفة والسموات والأرضون السبع في كفة لرجحت بهن من قالها مرة غفر له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر.
قال المغربي :
٤٨٩
اكره آيينه داري از براي رخش
ولى ه سودكه دارى هميشه آينه تار
بيا بصيقل توحيد زآينه بردار
غبار شرك كه تا ك كردد از نكار
وفي "التأويلات النجمية" : كان النبي عليه الصلاة والسلام مأموراً بإظهار مقامه وهو النبوة وبتعريف نفسه أنه نذير للكافرين كما أنه بشير للمؤمنين وأنه لما أمر بالرحمة والشفقة ولين الجانب للمؤمنين بقوله :﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ إظهاراً للعطف أمر بالتهديد والوعيد والإنذار بالعذاب للكافرين إظهاراً للقهر بقوله : وقل إني أنا النذير المبين كما أنزلنا على المقتسمين أي ننزل عليكم العذاب كما أنزلنا على المقتسمين وهم الذين اقتسموا قهر الله المنزل على أنفسهم بالأعمال الطبيعية غير الشرعية فإنها مظهر قهر الله وخزانته كما أن الأعمال الشرعية مظهر لطف الله وخزانته فمن قرع باب خزانة اللطف أكرم به وأنعم به عليه ومن دق باب خزانة القهر أهين به وعذب، ثم أخبر عن أعمالهم التي اقتسموا قهر الله بها على أنفسهم بقوله : الذين جعلوا القرآن عضين أي جزؤوه أجزاء في الاستعمال فقوم قرأه وداموا على تلاوة ليقال لهم القراء وبه يأكلون، وقوم حفظوه بالقراآت ليقال لهم الحافظ وبه يأكلون، وقوم حصلوا تفسيره وتأويله طلباً للشهرة وإظهاراً للفضل ليأكلوا به، وقوم استخرجوا معانيه واستنبطوا فقهه وبه يأكلون وقوم شرعوا في قصصه وإخباره ومواعظه وحكمه وبه يأكلون وقوم أولوه على وفق مذاهبهم وفسروه بآرائهم فكفروا لذلك، ثم قال فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون إنما عملوه بالله وفي الله ولله أو بالطبع في متابعة النفس للمنافع الدنيوية نظيره قوله ليسأل الصادقين عن صدقهم}(الأحزاب : ٨) انتهى ما في "التأويلات".
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٨٩
قوله عن صدقهم أي عنده تعالى لا عندهم كذا فسره الجنيد قدس سره وهو معنى لطيف عميق فإن الصدق والإسلام عند الخلق سهل ولكن عند الحق صعب فنسأل الله تعالى أن يجعل إسلامنا وصدقاً حقيقياً مقبولاً لا اعتبارياً مردوداً.
وعن أبي القاسم الفقيه أنه قال : أجمع العلماء على ثلاث خصال أنها إذا صحت ففيها النجاة ولا يتم بعضها إلا ببعض، الإسلام الخالص عن الظلمة، وطيب الغذاء، والصدقفي الأعمال.
قال في "درياق الذنوب" : وكان عمر بن عبد العزيز يخاف مع العدل ولا يأمن العدول رؤي في المنام بعد موته باثنتي عشرة سنة فقال الآن تخلصت من حسابي فاعتبر من هذا يا من أكب على الأذى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٨٩
فاصدع بما تؤمر ما موصولة والعائد محذوف أي فاجهر بما تؤمر به من الشرائع أي تكلم به جهاراً وأظهره، وبالفارسية (س آشكارا كن وبظاهر قيام نماى بآنه فرستاده اند ازاوامر ونواهي) يقال صدع بالحجة إذاتكلم بها جهاراً من الصديع وهو الفجر أي الصبح، أو فاصدع فافرق بين الحق والباطل واكشف الحق وأبنه من غيره من الصدع في الزجاجة وهو الإبانة كما قال في القاموس الصدع الشق في شيء صلب ثم قال وقوله تعالى : فاصدع بما تؤمر أي شق جماعاتهم بالتوحيد.
وفي تفسير أبي الليث كان رسول الله عليه السلام قبل نزول هذه الآية مستخفياً لا يظهر شيئاً مما نزل الله تعالى حتى نزل فاصدع بما تؤمر.
يقول الفقير : كان عليه الصلاة والسلام مأموراً بإظهار ما كان من قبيل الشرائع والأحكام لا ما كان من قبيل المعارف
٤٩٠
والحقائق فإنه كان مأموراً بإخفائه إلا لأهله من خواص الأمة وقد توارثه العلماء بالله إلى هذا الآن كا قال المولى الجامي :
رسيد جان بلب ودم نمى توانم زد
كه سر عشق همي ترسم آشكار شود


الصفحة التالية
Icon