وأما ما صدر من بعضهم من دعوى المأمورية في إظهار بعض الأمور الباعثة على تفرق الناس واختلافهم في الدين فمن الجهل بالمراتب، وعدم التميز بين ما كان ملكياً ورحمانياً، وبين ما كان نفساناً وشيطانياً فإن الطريق والمسلك والمطلب عزيز المنال والله الهادي إلى حقيقة الحال.
نكته عرفان مجو از خاطر آلودكان
جوهر مقصود را دلهاي اك آمد صدف
واعرض عن المشركين أي لا تلتفت إلى ما يقولون ولا تبال بهم ولا تقصد الانتقام منهم.
فإن قلت : قد دعا النبي عليه الصلاة والسلام على بعض الكفار فاستجيب له كما روى أنه مر بالحكم بن العاص فجعل الحكم يغمز به عليه السلام فرآه فقال : اللهم اجعل به وزغاً فرجف وارتعش مكانه والوزغ الارتعاش وهذا لا ينافي ما هو عليه من الحلم والاغضاء على ما يكره.
قلت : ظهر له في ذلك إذن من الله تعالى ففعل ما فعل وهكذا جميع أفعاله وأقواله فإن الوارث الكامل لا يصدر منه إلا ما فيه إذن الله تعالى فما ظنك بأكمل الخلق علماً وعملاً وحالاً.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٩٠
إنا كفيناك المستهزئين بقمعهم واهلاكهم، قال الكاشفي :(بدرستى كه ما كافيت كرديم ازتوشر استهزا كنندكان) الذين يجعلون مع الله (آنانكه ميزنند وشريك ميكنند باخداي حق) إلها آخر (خداي ديكر باطل) يعني الأصنام وغيرها والموصول منصوب بأنه صفة المستهزئين ووصفهم بذلك تسلية لرسول الله وتهويناً للخطب عليه بإعلامه أنهم لم يقتصروا على الاستهزاء به عليه الصلاة والسلام بل اجترأوا على العظيمة التي هي الإشراك الله سبحانه.
فسوف يعلمون (س زود بدانند عاقبت كارو بينند مكافات كردار خودرا) فهو عبارة عن الوعيد وسوف ولعل وعسى في وعد الملوك ووعيدهم يدل على صدق الأمر وجده ولا مجال للشك بعده فعلى هذا جرى وعد الله ووعيده والجمهور على أنها نزلت في خمسة نفر ذوي شأن وخطر، كانوا يبالغون في إيذاء رسول الله والاستهزاء به فأهلكهم الله في يوم واحد وكان اهلاكهم قبل بدر منهم العاص بن وائل السهمي والد عمرو بن العاص رضي الله عنه، كان يخلج خلف رسول الله بأنفه وفمه يسخر به فخرج في يوم مطير على راحلة مع ابنين له فنزل شعباً من تلك الشعاب فلما وضع قدمه على الأرض قال لدغت فطلبوا فلم يجدوا شيئاً فانتفخت رجله حتى صارت مثل عنق البعير فمات مكانه، ومنهم الحارث بن القيس بن العطيلة أكل حوتاً مالحاً فأصابه عطش شديد فلم يزل يشرب الماء حتى انقد أي انشق بطنه فمات في مكانه، ومنهم الأسود بن المطلب بن الحارث خرج مع غلام له فأتاه جبريل وهو قاعد إلى أصل شجرة فجعل ينطح أي يضرب جبريل رأسه على الشجرة وكان يستغيث بغلامه فقال غلامه لا أرى أحداً يصنع بك شيئاً غير نفسك فمات مكانه وكان هو وأصحابه يتغامزون بالنبي وأصحابه ويصفرون إذا رأوه، ومنهم أسود بن عبد يغوث خرج
٤٩١
من أهله فأصابه السموم فاسود حتى صار كالفحم وأتى أهله فلم يعرفوه فاغلقوا دونه الباب ولم يدخلوه دارهم حتى مات.
قال في إنسان العيون : هو أي الأسود هذا ابن خال النبي عليه الصلاة والسلام، وكان إذا رأى المسلمين قال لأصحابه استهزاء بالصحابة قد جاءكم ملوك الأرض الذين يدنون كسرى وقيصر وذلك لأن ثياب الصحابة كانت رثة وعيشهم خشنا، ومنهم الوليد بن المغيرة والد خالد رضي الله عنه وعم أبي جهل خرج يتبختر في مشيته حتى وقف على رجل يعمل السهام فتعلق سهم في ثوبه فلم ينقلب لينحيه تعاظماً، فأخذ طرف ردائه ليجعله على كتفه فأصاب السهم أكحله فقطعه ثم لم ينقطع عنه الدم حتى مات.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٩٠


الصفحة التالية
Icon