وههنا سؤالان : الأول أن قوله عليه السلام : الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر وقوله : وخص البلاء بالأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل ونحوهما يدل على أن نصيب المطيع عدم الراحة في الدنيا فكيف يكون في أمن وسعة إلى حين الموت، والجواب أن من ربط قلبه بالله ورضى بما قضاه الله في حقه حي حياة طيبة ولذا قال بعضهم : متاعاً حسناً (رضاست برانه هست ازنعمت وصبر برانه رونمايد ازسخت) ومن ربط قلبه بالأسباب كان أبداً في ألم الخوف من فوات محبوبه فيتنغص عيشه ويضطرب قلبه وكون الدنيا سجناً أنما هو بالإضافة إلى ما أعد للمؤمن من نعيم الآخرة وهو لا ينافي الراحة في الجملة كما حكى أنه كان قاض من أهل بغداد مارا بزقاق كلخان مع خدمه وحشمه كالوزير فطلع الكلخاني في صورة جهنمي رث الهيئة كان القطران يقطر من جوانبه فأخذ بلجام بغلة القاضي فقال : أيد الله القاضي ما معنى قول نبيكم الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر أما ترى أن الدنيا جنة لك وأنت مؤمن محمدي والدنيا سجن لي وأنا كافر يهودي فقال : القاضي الدنيا وما ترى من زينتها وحشمتها سجن للمؤمنين بالنسبة إلى الجنة وما أعدلهم فيها من الدرجات وجنة للكافرين بالنسبة إلى جهنم وما أعد لهم فيها من الدركات فعقل اليهودي فاسلم وأخلص.
والثاني : أن قوله تعالى : إلى أجل مسمى يدل على أن للعبد أجلين كما قال الكعبي : أن للمقتول أجلين أجل القتل وأجل الموت وأن المقتول لو لم يقتل لعاش إلى أجله الذي هو أجل الموت وكما قال الفلاسفة : أن للحيوان أجلاً طبيعياً هو وقت موته لتحلل رطوبته وانطفاء حرارته الغريزيتين وأجلا اخترامياً بحسب الآفات والأمراض.
والجواب أن الأجل واحد عند أهل السنة والجماعة، فأن الأرزاق والأعمار وأن كانت متعلقة بالأعمال كالاستغفار والتوبة في هذه الآية وكالصلة في قوله صلة الرحم تزيد العمر لكنها مسماة بالإضافة في كل أحد بناء على علم الله باشتغاله بما يزيد في العمر من القرب فلا يثبت تعدد الأجل ويؤت كل ذي فضل في الأعمال والأخلاق والكمالات فضله والضمير راجع إلى كل أي : جزاء فضله من الثواب والدرجات العالية ولا يبخس منه.
قال سعيد بن جبير : في هذه الآية من عمل حسنة كتب له عشر حسنات، ومن عمل سيئة كتب عليه سيئة واحدة، فأن لم يعاقب بها في الدنيا أخذ من العشرة واحدة وبقيت له تسع حسنات.
(وجور جاني كفته كه ذو فضل آنست كه درديوان ازل بنام اونشان فضل نوشته باشند وهر آينه بعد از وجود بدان شرف خواهد رسيد آنراكه بدادندا زو بازنكيرند وإن تولوا أي : تتولوا أو تعرضوا عما ألقى إليكم من التوحيد والاستغفار والتوبة وتستمروا على الإعراض، وأنما أخر عن البشارة جرياً على سنن تقدم الرحمة على الغضب فإني أخاف عليكم بموجب الشفقة والرحمة أو أتوقع عذاب يوم كبير شاق وهو يوم القيامة قال
٩٢
في التبيان : وهو كبير لما فيه من الأهوال فوصف بوصف ما يكون فيه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٩١
إلى الله مرجعكم أي : رجوعكم بالموت ثم بالبعث للجزاء في مثل ذلك اليوم لا إلى غيره وهو شاذ عن القياس ؛ لأن المصدر الميمي من باب ضرب قياسه أن يجيىء بفتح العين وهو لا يمنع الفصاحة نحو ويأبى الله وهو على كل شيء قدير فيقدر على تعذيبكم إذ من جملة مقدوراته العذاب والثواب.
واعلم أن الآية تدل على فضل التوحيد وشرف الاستغفار ألا يرى أن الموحد المستغفر كيف ينال العيش الطيب في الدنيا والدرجات العالية في العقبى فهما مفتاح سعادة الدارين وفي الحديث : لا إله إلا الله ثمن الجنة وفي خبر آخر مفتاح الجنة وفي الخبر قال آدم : يا رب إنك سلطت علي إبليس ولا استطيع أن أمتنع منه إلا بك قال الله تعالى : لا يولد لك ولد إلا وكلت عليه من يحفظه من مكر إبليس ومن قرناء السوء، قال : يا رب زدني قال : الحسنة عشر وأزيد والسيئة واحدة وأمحوها، قال : يا رب زدني، قال : التوبة مقبولة ما دام الروح في الجسد، قال : يا رب زدني قال : الله تعالى قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقطنوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً أنه هو الغفور الرحيم ثم الاستغفار لا يختص بكونه من الذنوب بل يكون من العبادة التي لا يؤتى بها على الوجه اللائق كما قال بعضهم : أن الصحابة كانوا يستغفرون من عبادتهم استقلالها وما يقع فيها.
قال العرفي :
مالب آلوده بهر توبه بكشاييم ليك
بانك عصيان ميزند ناقوس استغفار ما
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٩١


الصفحة التالية
Icon