وفي التأويلات النجمية قوله : الر يشير بالألف إلى الله وباللام إلى جبريل وبالراء إلى الرسول كتاب أحكمت آياته يعني القرآن كتاب أحكمت بالحكم آياته كقوله : ويعلمكم الكتاب والحكمة فالكتاب : هو القرآن، والحكمة : هي الحقائق والمعاني والأسرار التي أدرجت في آياته ثم فصلت أي : بينت لقلوب العارفين تلك الحقائق والحكم.
من لدن حكيم أودع فيها الحكمة البالغة التي لا يقدر غيره على إيداعها فيها وهذا سر من أسرار إعجاز القرآن.
خبير على تعليمها من لدنه لمن يشاء من عباده كقوله : فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً}(الكهف : ٦٥) يشير إلى أن للقرآن ظهراً يطلع عليه أهل اللغة وبطنا لا يطلع عليه إلا أرباب القلوب الذين أكرمهم الله بالعلم اللدني ورأس الحكمة وسرها أن تقول يا محمد لأمتك أمرتم.
﴿أَن لا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ﴾ أي : لا تعبدوا الشيطان ولا الدنيا ولا الهوى ولا ما سوى الله تعالى : أنني لكم منه نذير أنذركم بالقطيعة من الله تعالى أن تعبدوا وتطيعوا وتحبوا غيره وعذاب العبد في الجحيم وبشير أبشركم أن تعبدوه وتطيعوه وتحبوه بالوصول ونعم الوصال في دار الجلال وكان النبي عليه السلام مخصوصاً بالدعوة إلى الله من بين الأنبياء والمرسلين يدل عليه قوله : يا أيها النبي أن أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه}(هود : ٣) ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾ فيما فرطتم من أيام عمركم في طلب غير الله وترك طلبه وتحصيل الحجب وإبطال الاستعداد الفطري ليكون الاستغفار تزكية لنفوسكم وتصفية لقلوبكم.
ثم توبوا إليه ارجعوا بقدم السلوك إلى الله تعالى لتكون التوبة تحلية لكم بعد التزكية بالاستغفار، وهي قوله : يمتعكم متاعاً حسناً وهو الترقي في المقامات من السفليات
٩٣
إلى العلويات ومن العلويات، إلى حضرة العلي الكبير إلى أجل مسمى وهو انقضاء مقامات السلوك وابتداء درجات الوصول ويؤت كل ذي فضل ذي صدق واجتهاد في الطلب.
فضله في درجات الوصول فأن المشاهدات بقدر المجاهدات، وأن تولوا تعرضوا عن الطلب والسير إلى الله فقل أني أخاف عليكم عذاب يوم كبير عذاب يوم الانقطاع عن الله الكبير فأنه أكبر الكبائر وعذابه أعظم المصائب.
إلى الله مرجعكم طوعاً أو كرهاً فأن كان بالطوع يتقرب إليكم بجذبات العنايات كما قال : من تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً وأن كان بالكره تسحبون في النار على وجوهكم وهو على كل شيء من اللطف والقهر قدير.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٩١
﴿أَلا﴾ أي : تنبهوا أيها المؤمنون إنهم أي : مشركي مكة يثنون صدورهم من ثنى يثنى أي : عطف وصرف.
والمعنى يعطفون صدورهم على ما فيها من الكفر والإعراض عن الحق وعداوة النبي بحيث يكون ذلك مخفياً مستوراً فيها، كما تعطف الثياب على ما فيها من الأشياء المستورة.
ليستخفوا منه الاستخفاء الاستتار، أي : ليختفوا ويستتروا من الله تعالى لجهلهم بما لا يجوز على الله تعالى روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في أخنس بن شريق الزهري وكان رجلاً حلو المنطق حسن السياق للحديث يظهر لرسول الله المحبة ويضمر في قلبه ما يضادها.
وقال ابن شداد : أنها نزلت في بعض المنافقين كان إذا مر برسول الله ثنى صدره وظهره وطأطأ رأسه وغطى وجهه كيلاً يراه النبي عليه السلام فكأنه أنما كان يصنع ما يصنع لأنه لو رأه النبي عليه السلام لم يمكنه التخلف عن حضور مجلسه والمصاحبة معه وربما يؤدي ذلك إلى ظهور ما في قلبه من الكفر والنفاق.
فأن قلت الآية مكية والنفاق حدث بالمدينة؟.
قلت لك : أن تمنع ذلك، بل ظهوره أنما كان فيها ولو سلم فليكن هذا من باب الأخبار عن الغيب وهو من جملة المعجزات.
ألا حين يستغشون ثيابهم أي : يتغطون بها للاستخفاء على ما نقل عن ابن شداد وحين يأوون إلى فراشهم ويتدثرون ثيابهم وكان الرجل من الكفار يدخل بيته ويرخى ستره ويحنى ظهره ويتغشى ثوبه ويقول هل يعلم الله ما في قلبي.
قال في الكواشي : حين توقيت للتغطي لا للعلم انتهى.
أي : لئلا يلزم تقييد علمه تعالى بسرهم وعلنهم بهذا الوقت الخاص وهو تعالى عالم بذلك في كل وقت، والجواب أنه تعالى إذا علم سرهم وعلنهم في وقت التغشية الذي يخفى فيه السر فأولى أن يعلم ذلك في غيره وهذا بحسب العادة وإلا فالله تعالى لا يتفاوت علمه بتفاوت أحوال الخلق يعلم ما يسرون أي : يضمرون في قلوبهم وما يعلنون بأفواههم وما مصدرية أي : إسرارهم وإعلانهم أو بمعنى الذي والعائد محذوف وقدم السر على العلن لأن مرتبة السر متقدمة على مرتبة العلن إذ ما من شيء يعلن إلا وهو أو مباديه قبل ذلك مضمر في القلب فتعلق علمه سبحانه بحالته الأولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية.
أنه أي الله تعالى عليم بذات الصدور مبالغ في الإحاطة بمضمرات جميع الناس وأسرارهم الخفية المستكنة في صدورهم بحيث لا تفارقها أصلاً، فكيف يخفى عليه ما يسرون وما يعلنون.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٩٤


الصفحة التالية
Icon