والرابع : مستقرها في العدم يعلم أنه كيف قدرها مستعدة لقبول تلك الصورة المختصة بها ومستودعها لغرض تؤول إليه عند استكمال صورتها، وأيضاً يعلم مستقر روح الإنسان خاصة في عالم الأرواح لأنهم كانوا في أربعة صفوف كان في الصف الأول : أرواح الأنبياء وأرواح خواص الأولياء، وفي الصف الثاني : أرواح الأولياء وأرواح خواص المؤمنين، وفي الصف الثالث : أرواح المؤمنين والمسلمين، وفي الصف الرابع أرواح الكفار والمنافقين ويعلم مستودع روحه عند استكمال مرتبة كل نفس منهم من دركات النيران، ودرجات الجنان إلى مقعد صدق عند مليك مقتدر.
كل أي : كل واحد من الدواب ورزقها ومستقرها ومستودعها.
في كتاب مبين أي : مثبت في اللوح المحفوظ البين لمن ينظر فيه من الملائكة أو المظهر لما ثبت فيه للناظرين.
وفي التأويلات النجمية : في كتاب مبين أي : عنده في أم الكتاب الذي لا تغير فيه من المحو والإثبات انتهى.
وقد اتفقوا على أن أربعة أشياء لا تقبل التغير أصلاً، وهي : العمر، والرزق، والأجل، والسعادة أو الشقاوة.
فعلى العاقل أن لا يهتم لأجل رزقه ويتوكل على الله فأنه حسبه :
مكن سعديا ديده بر دست كس
كه بخشنده روردكارست وبس
اكر حق رستى ز درها بست
كه كروي براند نخواند كست
روى أن موسى عليه السلام عند نزول الوحي عليه بالذهاب إلى فرعون للدعوة إلى الإيمان تعلق قلبه بأحوال أهله قائلاً يا رب من يقوم بأمر عيالي؟ فأمره الله تعالى أن يضرب بعصاه
٩٦
صخرة فضربها فانشقت وخرج منها صخرة ثانية، ثم ضرب بعصاه عليها فانشقت وخرجت منها صخرة ثالثة، ثم ضربها بعصاه فخرجت منها دودة وفي فمها شيء يجري مجرى الغذاء لها، ورفع الحجاب عن سمع موسى فسمع الدودة تقول : سبحان من يراني ويسمع كلامي ويعرف مكاني ويذكرني ولا ينساني.
وعن أنس رضي الله عنه قال : خرجت مع رسول الله يوماً إلى المفازة في حاجة لنا فرأينا طيراً يلحن بصوت جهوري فقال عليه السلام : أتدري ما يقول هذا الطير يا أنس؟ قلت : الله ورسوله أعلم بذلك قال : أنه يقول يا رب، أذهبت بصري وخلقتني أعمى فارزقني فأني جائع قال : أنس فبينما نحن ننظر إليه إذ جاء طائر آخر وهو الجراد ودخل في فم الطائر فابتلعه ثم رفع الطائر صوته وجعل يلحن فقال عليه السلام : أتدري ما يقول الطير يا أنس؟ قلت : الله ورسوله أعلم قال : أنه يقول الحمدالذي لم ينس من ذكره وفي رواية : من توكل على الله كفاه كما في إنسان العيون.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٩٥
قيل : كان مكتوباً على سيف الحسين بن علي رضي الله عنه أربع كلمات، الرزق مقسوم، والحريص محروم، والبخيل مذموم، والحاسد مغموم، وفي الحديث : من جاع أواحتاج وكتمه عن الناس وأفضى به إلى الله تعالى كان حقاً على الله أن يفتح له رزق سنة كما في روضة العلماء.
وحقيقة التوكل في الرزق وغيره عند المشايخ الانقطاع عن الأسباب بالكلية ثقة بالله تعالى.
وهذا لأهل الخصوص فأما أهل العموم فلا بد لهم من التسبب.
كما قال في المثنوى :
كر توكل ميكنى در كار كن
كسب كن س تكيه بر جبار كن
ثم رزق الإنسان يعم جسده وغذاء روحه.
وفي المثنوى :
اين دهان بستى دهاني بازشد
كو خورنده لقمهاى راز شد
كر ز شير ديو تن را وا برى
در فطام أو بسى نعمت خورى
وهو الذي خلق السموات السبع، السماء الدنيا وهو فلك القمر من الموج المكفوف المجتمع وهو مقر أرواح المؤمنين، والسماء الثانية وهو فلك عطارد من درة بيضاء وهو مقر أرواح العباد، والسماء الثالثة وهو فلك الزهرة من الحديد وهو مقر أرواح الزهاد، والسماء الرابعة وهو فلك الشمس من الصفر وهو مقام أرواح أهل المعرفة، والسماء الخامسة وهو فلك المريخ من النحاس وهو مقام أرواح الأنبياء، والسماء السادسة وهو فلك المشتري من الفضة وهو مقام أرواح الأنبياء.
والسابعة : وهو فلك زحل من الذهب وهو مقام أرواح الرسل وفوق هذه السموات الفلك الثامن وهو فلك الثوابت ويقال : له الكرسي وهو مقام أرواح أولي العزم من الرسل وفوقه عرش الرحمن وهو مقام روح خاتم النبيين صلوات الله وسلامة عليهم أجمعين وجمع السموات لاختلاف العلويات أصلاً كما ذكرنا وذاتا لأنها سبع طبقات بين كل اثنتين منها مسيرة خمسمائة عام على ما ورد في الخبر وكذا ما بين السابعة والكرسي وبين الكرسي والعرش على ما نقل عن ابن مسعود رضي الله عنهما، قدم السموات لأنها منشأ أحكامه تعالى ومصدر قضاياه ومتنزل أوامره ونواهيه وأرزاقه ووعده ووعيده فأن مايؤمرون به وينهون عنه وما يرزقونه في الدنيا وما يوعدونه في العقبى كله مقدر مكتوب في السماء ولأنها وما فيها من الآثار العلويات أظهر دلالة على القدرة الباهرة وأبين شهادة على الكبرياء والعظمة
٩٧