وانتنت فلم يستطع أحد أن يدنو منهم حتى ماتوا وقس عليه التعرض لأهل الحق بشيء مكروه كما يفعله أهل الإنكار في حق سادات الصوفية ولا يدرون أنه يوجب المقت وربما يبتلى أحدهم بمرض هائل في بدنه وهو غافل عن سببه وجهة نزوله به، وكل عمل لا بدّ وأن يصل جزاؤه إلى عامله في الحال ولكن لا يرى في الدنيا بعين اليقين وإنما يرى في الآخرة إذا قيل له فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ألا ترى أن عذاب البعد واقع لأهل الغفلة والحجاب، ولكن ما ذاقوا ألمه لأنهم نيام فإذا ماتوا انتبهوا وذاقوا ذلك حساً، ولئن قلت : للأشقياء موتوا عن الطبيعة باستعمال الشريعة ومزاولة الطريقة لتحيوا بالحقيقة، فأن الحياة الحقيقة تكون بعد الموت عن الحياة الطبيعية ليقولن الذي ستروا حسن استعدادهم الفطري بتعلق المكونات ومحبتها وهم الأشقياء : أن هذا إلا كلام مموه لا أصل له كما في التأويلات النجمية.
قال السعدي :
بكوى آنه دانى سخن سودمند
وكر هي كس رانيايد سند
كه فردا شيمان بر آرد خروش
كه آوخ را حق نكردم بكوش
وفي المثنوى :
منقبض كردند بعضى زين قصص
زانكه هر مرغى جدا دارد قفص
كود كان كره بيك مكتب درند
در سبق هريك زيك بالاترند
مرك يش ازمرك اينست اي فتى
اين نين فرمود مارا مصطفى
كفت موتوا كلكم من قبل ان
يأتي الموت تموتوا بالفتن
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٠١
﴿وَلَـاـاِنْ﴾ اللام موطئة للقسم أذ قنا الإنسان منا رحمة أي : أعطيناه نعمة من صحة وأمن وجدة وغيرها وأوصلناها إليه بحيث يجد لذتها والمراد مطلق الإنسان وجنسه الشامل للمؤمن والكافر بدلالة الاستثناء الآتي.
وقوله منا حال من رحمة أي : لا باستحقاق منه ثم نزعناها منه أي : سلبنا تلك النعمة منه وأزلناها عنه وإيراد النزع للإشعار بشدة تعلقه بها وحرصه عليها.
قال سعدي المفتى الظاهر : أن من صلة نزعناها، أي : قلعناها منه ولا يبعد أن يقال : والله أعلم أن من للتعليل يعني : أن منشأ النزع شؤم نفسه بارتكاب معصية الله إنه ليئوس شديد اليأس من أن يعود إليه مثل تلك النعمة المسلوبة قطوع رجاءه من فضل الله تعالى لقلة صبره وتسليمه لقضائه وعدم ثقته به وهو جواب القسم ساد مسد جواب الشرط.
كفور عظيم الكفران لما سلف له من النعم نساء له.
قال السعدي قدس سره :
سكى را لقمه كردادى فراموش
نكرد دكرزنى صد نوبتش سنك
وكر عمري نوازي سفله را
بكمتر تندى آيد باتو درجنك
ومعنى الكفران : إنكار النعمة والمعروف وستره وترك شكره وحمده وعدم الثناء على فاعله ومعطيه.
وفيه إشارة إلى أن النزع إنما كان بسبب كفرانهم.
ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته كصحة بعد سقم وجدة بعد عدم وفرج بعد شدة أضاف سبحانه وتعالى إذاقة النعماء إلى ذاته الكريمة ومس الضراء إليها لا إلى ذاته الجليلة تنبيهاً على أن القصد الأول إيصال الخير إلى العباد تفضلاً منه تعالى ورحمة ومساس الشر ليس إلا لشؤم نفسه وفساد
١٠٢
حاله مجازاة وانتقاماً قال الله تعالى : ما أصابك من حسنة فمن الله وماأصابك من سيئة فمن نفسك}(النساء : ٧٩) وهذا هو المراد من قول البيضاوي : وفي اختلاف الفعلين نكتة لا تخفى وفي التعبير عن ملابسة الرحمة والنعماء بالذوق الذي هو إدراك الطعم وعن ملابسة الضراء بالمس الذي هو مبدأ الوصول كأنما يلاصق البشرة من غير تأثير تنبيه على أن ما يجده الإنسان في الدنيا من النعم والمحن كالانموذج لما يجده في الآخرة.
﴿لَيَقُولَنَّ﴾ الإنسان ذهب السيئات عني أي : المكاره والمصائب التي ساءتني.
أي : فعلت بي ما أكره ولن يعتريني بعد أمثالها فأن الترقب لورود أمثالها مما يكدر السرور وينغص العيش.
إنه لفرح (شاد مانست مغروريان) وهو اسم فاعل من فعل اللازم.
والفرح إذا اطلق في القرآن كان للذم وإذا كان للمدح يأتي مقيداً بما فيه خير كقوله تعالى :﴿فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَـاـاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾ كذا في حواشي سعدي المفتي.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٠٢
يقول الفقير يرده قوله تعالى :﴿إِذَا فَرِحُوا بِمَآ أُوتُوا أَخَذْنَـاهُم بَغْتَةً﴾ (الأنعام : ٤٤) والظاهر أن كونه للمدح أو للذم إنما هو بحسب المقام والقرائن.
واعلم أن الفرح بالنعمة ونسيان المنعم فرح الغافلين والعطب إلى هذا أقرب من السلامة والإهانة أوفي من الكرامة.
قال حضرة شيخنا العلامة أبقاه الله بالسلامة : في بعض "تحريراته" هو المحبوب لذاته لا لعطائه وعطاؤه محبوب لكونه محبوباً لا لنفسه ونحبه ونحب عطاءه لحبه انتهى باجمال، يشير قدس سره إلى الفرح بالله تعالى على كل حال ﴿فَخُورٌ﴾ على الناس بما أوتي من النعم مشغول بذلك عن القيام بحقها.
قال السعدي قدس سره :
و منعم كند سفله را روزكار
نهد بردل تنك درويش بار
و بام بلندش بودخود رست
كندبول وخاشاك بربام ست
وقال :
كه اندر نعمتي مغرور وغافل
كهى ازتنك دستى خسته وريش
و درسرا وضرا حالت اينست
ندانم كى بحق بردازى ازخويش
(يعني كى فارغ شوى ازخود وبحق مشغول شوى).