جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٠٢
﴿إِلا الَّذِينَ﴾ (مكر آنان كه) والاستثناء متصل صبروا على الضراء إيماناً بقضاء الله وقدره وفي الحديث : ثلاثة لا تمسهم فتنة الدنيا والآخرة، المقر بالقدر، والذي لا ينظر بالنجوم والمتمسك بسنتي ومعنى الإيمان بالقدر أن يعتقد أن الله تعالى قدر الخير والشر قبل خلق الخلق وأن جميع الكائنات بقضائه وقدره وهو مريد لها كلها وأما النظر في النجوم فقد كان حقاً في زمن إدريس عليه السلام، يدل عليه قوله تعالى خبراً عن إبراهيم عليه السلام : فنظر نظرة في النجوم فقال : إني سقيم استدل بالنظر في النجوم على أنه سيسقم ثم نسخ في زمن سليمان عليه السلام كما في بحر الكلام.
وفي كتاب تعليم المتعلم علم النجوم بمنزلة المرض فتعلمه حرام لأنه يضر ولا ينفع والهرب من قضاء الله تعالى وقدره غير ممكن انتهى.
فينبغي أن لا يصدق أهل النجوم فيما زعموا أن الاجتماعات والاتصالات الفلكية تدل على حوادث معينة وكوائن مخصوصة في هذا العالم.
قال العماد الكاتب : أجمع المنجمون في سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة في جميع البلاد
١٠٣
على خراب العالم في شعبان عند اجتماع الكواكب الستة في الميزان بطوفان الريح وخوّفوا بذلك ملوك الأعاجم والروم فشرعوا في حفر مغارات ونقلوا إليها الماء والأزواد وتهيئوا، فلما كانت الليلة التي عينها المنجمون للخراب بمثل ريح عاد، كنا جلوساً عند السلطان والشموع تتوقد فلا تتحرك ولم نر ليلة مثلها في ركودها ذكره الامام اليافعي وقال : في إنسان العيون أول من استخرج علم النجوم إدريس عليه السلام، أي : علم الحوادث التي تكون في الأرض باقتران الكواكب.
قال الشيخ محيي الدين بن العربي قدس سره : وهو علم صحيح لا يخطىء في نفسه وإنما الناظر في ذلك هو الذي يخطىء لعدم استيفائه النظر انتهى، وعملوا الصالحات شكراً لنعمائه الظاهرة والباطنة أو السالفة والآنفة والعمل الصالح هو ما كان لوجه الله تعالى.
وعن عمر رضي الله عنه الشكر والصبر مطيتان ما باليت أيهما أركب يشير رضي الله عنه إلى أن كل واحد من طريق الصبر والشكر موصل إلى الله تعالى أولئك الموصوفون بتلك الصفات الحميدة لهم مغفرة عظيمة لذنوبهم وأن جمت وأجر ثواب لأعمالهم الحسنة كبير أقله الجنة كما في تفسير البيضاوي وهو الجنة كما في الكواشي.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٠٣
قال سعدي المفتي : وصف الأجر بقوله كبير لما احتوى عليه من النعيم السرمدي ورفع التكاليف والأمن من العذاب ورضى الله عنهم والنظر إلى وجهه الكريم انتهى.
يقول الفقير الظاهر أن المراد بالأجر الكبير هو الجنة لأن نعم الله تعالى أدناها متاع الدنيا وأعلاها رضوان الله لقوله : ورضوان من الله أكبر}(التوبة : ٧٢) وأوسطها الجنة ونعيمها فإذا وصف الرضى بالأكبرية لزم أن توصف الجنة بالكبيرية.
قال الكاشفي :(شيخ الإسلام فرموده كه درجنت نعمتي هست كه همه نعيم بهشتي در جنب آن محقر ومختصر باشد يعني مشاهده أنوار لقاي خدا).
مارا بهشت بهر لقاي تودر خورست
بي رتو جمال توجنت محقرست
وفي الآيتين إشارتان : الأولى : أن من ذاق طعم بعض المقامات الإلهية وشهد بعض المشاهد الربانية ثم نزع ذلك منه بشؤم خطاياها وسوء أدبه ينبغي أن لا ييأس من روح الله ولا يكفر بنعمته كإبليس، بل إذا ابتلى بسدل الحجاب ورد الباب كان من شرط عبوديه أن يرجع إلى ربه معترفاً بظلمه على نفسه كآدم عليه السلام ليجتبيه ربه فيتوب عليه ويهديه، فإن من رحمة الله ونعمته على عبده أنه إذا أسرف على نفسه ثم تاب ورجع إلى ربه وجده غفوراً رحيماً، والثانية : أن من ذاق برد العفو وحلاوة الطاعة ينبغي أن لا يقول صرت معصوماً مطهراً مرفوع الحجاب فتعجبه نفسه فينظر إليها بنظر الإعجاب وينظر إلى غيره بنظر الحقارة ويأمن مكر الله فهو في كلتا الحالتين مذموم في حالة اليأس وكفران النعمة وفي حالة الإعجاب بنفسه وأمنه من مكر الله.
قال الحافظ :
زاهد غرور داشت سلامت نبرد راه
رند ازره نياز بدار السلام رفت
وقال :
زاهد ايمن مشو ازبازى غيرت زنهار
كه ره ازصومعه تادير مغان اين همه نيست
فالآيتان تناديان على النفس الأمارة بصفاتها الرذيلة فلا بد من معالجتها وإصلاحها بما أمكن من المجاهدات أصلحها الله سبحانه وتعالى.
﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكُا بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ﴾ روى
١٠٤