أن مشركي مكة لما قالوا : ائت بقرآن غير هذا ليس فيه سب آلهتنا ولا مخالفة آبائنا همّ النبي عليه السلام أن يدع سب آلهتهم ظاهراً فنزل الله تعالى هذه الآية، ولعل إما للترجي ومعناه توقع أمر مرجو لا وثوق بحصوله كقوله تعالى :﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ وإما للإشفاق وهو توقع أمر مخوف كقوله تعالى :﴿لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ﴾ (الشورى : ١٧) والرجاء والإشفاق يتعلقان بالمخاطبين دون الله سبحانه والمراد هنا إما الأول فالمعنى لعظم ما يرد على قلبك من تخليطهم تتوهم أنهم يزيلونك عن بعض ما أنت عليه من تبليغ ما أوحي إليك ولا يلزم من توقع الشيء وجود ما يدعو إليه ووقوعه لجواز أن يكون ما يصرف عنه وهو عصمة الرسل عن الخيانة في الوحي والثقة في التبليغ ههنا وأما الثاني فالمعنى أشفق على نفسك أن تترك تبليغ ما يوحى إليك وهو ما يخالف رأى المشركين مخافة ردهم له واستهزائهم وهو أوجه من الأول كما في "بحر العلوم" للسمرقندي.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٠٣
قال الكاشفي :﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكُ﴾ (س شايدكه توترك كننده باشى.
امام ماتريدي رحمه الله ميكويد استفهام بمعنى نهى است : يعني ترك مكن) وضائق به صدرك أي : عارض لك ضيق صدر بتلاوته عليهم وتبليغه إليهم في أثناء الدعوة والمحاجة، وضمير به يعود إلى بعض ما يوحى وعدل عن ضيق إلى ضائق ليدل على أنه كان ضيقاً عارضاً غير ثابت وٌّ رسول الله كان أفسح الناس صدراً ونحوه فلان سائد لمن عرضه له السودد وسيد لمن هو عريق فيه.
أن يقولوا أي : مخافة أن يقولوا مكذبين لولا انزل عليه هلا القى عليه كنز مال من السماء يستعين به في أموره وينفقه في الاستتباع كالملوك.
قال ابن الشيخ : كنز أي : مال كثير من شأنه أن يجعل كنزاً أي : مالاً مدفوناً فإن الكنز اسم للمال المدفون فهو لا ينزل، فوجب أن يكون المراد به ههنا ما يكنز وقد جرت العادة بأن يسمى المال الكثير بهذا الاسم.
أو جاء معه ملك يشهد له على صدق قوله ويعينه على تحصيل مقصوده فتزول الشبهة عن أمره، كما قال رؤساء مكة : يا محمد اجعل لنا جبال مكة ذهباً أن كنت رسولاً، وقال آخرون : ائتنا بالملائكة ليشهدوا بنبوتك، إنما أنت نذير ليس عليك إلا الإنذار بما أوحي إليك، ولا عليك ردوا أو تهكموا أو اقترحوا فما بالك يضيق به صدرك والله على كل شيء وكيل فتوكل عليه فأنه عالم بحالهم وفاعل بهم جزاء أقوالهم وأفعالهم.
قال الكواشي : تلخيصه أدّ الرسالة غير ملتفتٍ إليهم فإني حافظك وناصرك عليهم.
درشبى مهتاب مه را برسماك
زسكان وعوعو ايشان ه باك
قال في المفاتيح : الوكيل : القائم بأمور العباد وتحصيل ما يحتاجون إليه.
وقيل : الموكول إليه تدبير البرية وحظ العبد منه أن يكل إليه ويتوكل عليه ويلقي بالاستعانة إليه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٠٣
﴿أَمْ يَقُولُونَ﴾ افتريه الضمير راجع إلى ما يوحى إليك، وأم منقطعة مقدرة ببل والهمزة ومعنى الهمزة فيه التوبيخ والإنكار، والتعجب أما التوبيخ فكأنه قيل : أيتها لكون أن ينسبوا مثله إلى الافتراء ثم إلى الاقتدار على الذي هو أعظم الفرى وأفحشها إذ يقوله ويفتريه على الله ولو قدر عليه دون عامة العرب لكانت قدرته عليه معجزة لخرقها العادة، وإذا كانت معجزة كان تصديقاً من الله له والعليم الحكيم لا يصدق الكاذب فلا يكون مفترياً، والمعنى : بل أيقولون افتراه وليس من عند الله.
قل أن كان الأمر كما تقولون :
١٠٥
فائتوا أنتم أيضاً بعشر سور مثله في البلاغة وحسن النظم، قال : هنا بعشر، وفي يونس والبقرة بسورة ؛ لأن نزول هذه السورة الكريمة مقدم عليهما لأنهم تحدوا أولاً بالإتيان بعشر فلما عجزوا تحدوا بسورة واحدة.
وقوله، مثله نعت لسور أي أمثال، وتوحيده باعتبار كل واحد.
وقال سعدي المفتي : ولا يبعد أن يقال : أنه صفة للمضاف المقدر، فأن المراد بقدر عشر سور مثله والله أعلم.
مفتريات صفة أخرى لسور.
والمعنى فائتوا بعشر سور مماثلة له في البلاغة مختلقات من عند أنفسكم أن صح أني اختلقته من عند نفسي فإنكم فصحاء مثلي تقدرون على ما أقدر عليه بل أنتم أقدر لتعلمكم القصص والأشعار وتعودكم النثر والنظم.
وفي الآية : دلالة قاطعة على أن الله تعالى لا يشبهه شيء في صفة الكلام وهو القرآن كما لا يشبهه بحسب ذاته.
وادعوا للاستظهار في المعارضة.
من استطعتم دعاءه والاستعانة به من آلهلتكم التي تزعمون أنها ممدة لكم ومدارهكم التي تلجأون إلى آرائهم في الملمات ليسعدوكم فيها من دون الله أي : حال كونكم متجاوزين الله تعالى إن كنتم صادقين في إني افتريته فإن ما افترى إنسان يقدر إنسان آخر أن يفتري مثله.
فإن لم يستجيبوا لكم الضمير في لكم للرسول عليه السلام وجمع للتعظيم، أو له وللمؤمنين لأنهم اتباع له عليه السلام في الأمر بالتحدي وفيه تنبيه لطيف على أن حقهم أن لا ينفكوا عنه ويناصبوا معه لمعارضة المعاندين كما كانوا يفعلونه في الجهاد.


الصفحة التالية
Icon