جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٠٥
قال سعدي المفتي : اختلف في تناول خطاب النبي عليه السلام لأمته فقال الشافعية : لا، وقال الحنفية : والحنابلة نعم إلا ما دل الدليل فيه على الفرق انتهى.
والمعنى فإن لم يستجب هؤلاء المشركون لكم يا محمد ويا أصحاب محمد عليه السلام، أي : ما دعوتموهم إليه من معارضة القرآن وإتيان عشر سور مثله وتبين عجزهم عنه بعد الاستعانة بمن استطاعوا بالاستعانة منه من دون الله تعالى فاعلموا إنما أنزل بعلم الله ما في أنما كافة وضمير انزل يرجع إلى ما يوحى وبعلم الله حال أي : ملتبساً بما لا يعلمه إلا الله تعالى من المزايا والخواص والكيفيات.
وقال الكاشفي :(يعني ملتبس بعلمي كه خاصه اوست وآن علمست بمصالح عباد وآنه ايشانرا بكار آيد در معاش ودر معاد).
وقال في التأويلات النجمية : بعلم الله لا بعلم الخلق فإن فيه الأخبار عما سيأتي وهو بعد في الغيب ولا يعلم الغيب إلا الله انتهى، والمراد الدوام والثبات على العلم أي : فدوموا أيها المؤمنون واثبتوا على العلم الذي أنتم عليه لتزدادوا يقيناً وثبات قدم على أنه منزل من عند الله وأنه من جملة المعجزات الدالة على صدقه عليه السلام في دعوى الرسالة.
وأن لا إله إلا هو أي : ودوموا على هذا العلم أيضاً، يعني : هو ينزل الوحي وليس أحد ينزل الوحي غيره لأنه الإ له ولا إله غيره، فهل أنتم مسلمون ثابتون على الإسلام راسخون فيه، أي : فاثبتوا عليه في زيادة الإخلاص.
وفي الآيات أمور : منها : أن الوحي على ثلاثة أنواع، نوع أمر عليه السلام بكتمانه إذ لا يقدر على حمله غيره، ونوع خير فيه، ونوع أمر بتبليغه إلى العام والخاص من الأنس والجن وهو ما يتعلق بمصالح العباد من معاشهم ومعادهم فلا يجوز تركه وأن ترتب عليه مضرة وضاق به الصدر وسبيل تبليغ الرسالة هو اللسان فلا رخصة في الترك وأن خاف.
قال صاحب التيسير : فهذا دليل قولنا في المكره على الطلاق والعتاق إن تكلم به نفذ لأن تعلق ذلك باللسان
١٠٦
لا بالقلب والإكراه لا يمنع فعل اللسان فلا يمنع النفاذ انتهى.
وفي الحديث : أن الله بعثني برسالته فضقت بها ذرعاً فأوحى الله تعالى إلي إن لم تبلغ رسالتي عذبتك وضمن لي العصمة فقويت ويدخل فيه العلماء الآمرون بالمعروف والناهون عن النمكر فأنهم إذا عملوا بما علموا وتصدوا للتبليغ وخافوا الله دون غيره فأن الله تعالى يحفظهم من كيد الأعداء حكى أن زاهداً كسر خوابي الخمر لسليمان بن عبد الملك الخليفة وأتى به يعاقبه وكان للخليفة بغلة تقتل من ظفرت به، واتفق رأى وزرائه أن يلقى الزاهد بين يدي البغلة فألقي بين يديها فخضعت له فلم تقتله، فلما أصبحوا نظروا إليه فإذ هو صحيح فعلموا أن الله تعالى حفظه فاعتذروا إليه وخلوا سبيله :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٠٥
كرت نهى منكر بر آيد زدست
نشايد جوبى دست وابان نشست
ومنها أن المؤمنين ينبغي أن يعاونوا أئمتهم ومن اقتدى بهم في تنفيذ الحق وإجرائه وإلزام الخصم وإسكاته كما كان الأصحاب رضي الله عنهم يفعلون ذلك برسول الله في الجهاد وغيره من الأمور الدينية وفي الحديث : المؤمن للمؤمن كبنيان يشد بعضه بعضاً يعني : المؤمن لا يتقوى في أمر دينه ودنياه إلا بمعونة أخيه كما أن بعض البناء يقوى ببعضه وفيه حث على التعاضد في غير الإثم كذا في شرح المشارق لابن الملك، وكان النبي يضع لحسان منبراً في المسجد فيقوم عليه يهجو من كان يهجو رسول الله ويدفع عن المسلمين ويقويهم على المشركين وكان روح القدس أي : جبريل يمده بالجواب ويلهمه الصواب.
هجا كفتن اره سنديده نيست
مبادا كسى كآلت آن ندارد
ه آن شاعري كوهجا كونباشد
وشيرى كه نكال ودندان ندارد
ومنها لزوم الثبات على التوحيد ومن علاماته التكرير باللسان جهراً وإخفاء، جمعية وانفرادا وفي الحديث : جددوا إيمانكم والمراد الانتقال من مرتبة إلى مرتبة فأن أصل الإيمان قديم بالأول كما في الواقعات المحمودية.
قال المولى الجامي قدس سره :
دلت آيينه خداي نماست
روى آيينه توتيره راست
صيقلى دار صيقلى ميزن
باشد آيينه ات شود روشن
صيقل آن اكرنه آكاه
نيست جز لا إله إلا الله
وفي الحديث : من مات وهو يدعو من دون الله نداْ دخل النار، ومن مات يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة.
واعلم أن كلمة هو في قوله تعالى : لا إله إلا هو اسم تام بمنزلة لفظة الجلالة ولذا جعلها الصوفية قدس الله أسرارهم ورداً الهم في بعض أوقاتهم.
قال : في فتح القريب : من خواص اسم الله أنك إذا حذفت من خطه حرفاً بقي دالاً على الله تعالى فأن حذفت الألف بقيوأن حذفت اللام الأولى وأبقيت الألف بقي إله، وأن حذفتهما معاً بقي له ملك السموات والأرض، وأن حذفت الثلاثة بقي هو الله الحي القيوم لا إله إلا هو انتهى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٠٥
﴿مَن كَانَ﴾ (هركه باشدكه ازدنائت همت) وكان صلة، أي : زائدة كما في التبيان.


الصفحة التالية
Icon