وقال في شرح الطريقة : من مكايد الشيطان أن الرجل قد يكون ذا ورد كصلاة الضحى والتهجد وتلاوة القرآن والأدعية المأثورة فيقع في قوم لا يفعلونه فيتركه خوفاً من الرياء، وهذا غلط منه، إذ مداومته السابقة دليل الإخلاص فوقوع خاطر الرياء في قلبه بلا اختيار ولا قبول، لا يضر ولا يخل بالإخلاص فترك العمل لأجله موافقة للشيطان وتحصيل لغرضه نعم عليه أن لا يزيد على معتاده أن لم يجد باعثاً وقد يترك لا خوفاً من الرياء، بل خوفاً من أن ينسب إليه ويقال : أنه مراىء وهذا عين الرياء لأنه تركه خوفاً من سقوط منزلته عند الناس، وفيه أيضاً سوء الظن بالمسلمين، وقد يقع في خاطره أن تركه لأجل صيانتهم من الغيبة لا لأجل الفرار من المذمة وسقوط المنزلة، وهذا أيضاً سوء الظن بهم إذ صيانة الغير من المعصية أنما يكون في ترك المباحات دون السنن والمستحبات انتهى كلامه.
قال في التأويلات النجمية : وحبط ما صنعوا من أعمال الخير فيها في الدنيا للدنيا وباطل ما كانوا يعملون من الأعمال وإنك كانت حقاً لأنهم عملوها لغير وجه الله وهو باطل وبه يشير إلى أن كل من يعمل عملاً يطلب به غير الله فإن عمله ومطلوبه باطل كما قال : أن أصدق كلمة قالتها العرب : ألا كل شيء ما خلا الله باطل.
قال حضرة الشيخ الأكبر قدسنا الله بسره الأطهر : اعلم أن الموجودات كلها وأن وصفت بالباطل فهي حق من حيث الوجود، ولكن سلطان المقام إذا غلب على صاحبه يرى ما سوى الله تعالى باطلاً من حيث أنه ليس له وجود من ذاته فحكمه حكم العدم، وهذا معنى قولهم قوله باطل أي : كالباطل، لأن العالم قائم بالله لا بنفسه فهو من هذا الوجه باطل، والعارف إذا وصل إلى مقامات القرب في بداية عرفانه ربما تلاشت هذه الكائنات وحجب عن شهودها بشهود الخلق لأنها زالت من الوجود بالكلية، ثم إذا كمل عرفانه شهد الحق تعالى والخلق معاً في آن واحد وما كل أحد يصل إلى هذا المقام فإن غالب الناس أن شهد الخلق لم يشهد الحق وأن شهد الحق لم يشهد الخلق ولا يدرك الوحدة إلا من أدرك اجتماع الضدين ولعل
١٠٩
من المشهد الأول قول الاستاذ الشيخ أبي الحسن البكري قدس سره : أستغفر الله مما سوى الله تعالى ؛ لأن الباطل يستغفر من إثبات وجوده لذاته كذا في إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون.
قال الشيخ المغربي :
سايه هستى مى نمايد ليك اندر اصل نيست
نيست را ازهست اربشناختى يابى نجات
وقال أيضاً :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٠٧
بيدار شواز خواب كه اين جمله خيالات
اندر نظر ديده بيدار ون خوابيست
نسأل الله سبحانه أن يكشف القناع عن وجه المقصود ويتجلى لنا بجماله في وجه كل مظهر وموجود وهو الرحيم الودود ذو الفضل والفيض والجود.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٠٧
﴿أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ﴾ الهمزة للإنكار والبينة الحجة والبرهان، وعلى للاستعلاء المجازي، وهو الاستيلاء والاقتدار على إقامتها والاستدلال بها، ومن شرطية أو موصولة مبتدأ حذف خبره والتقدير أفمن كان على برهان ثابت من ربه يدل على الحق والصواب فيما يأتيه ويذره وهو كل مؤمن مخلص كمن ليس على بينة يعني : سواء، بل الأول على السعادة وحسن العاقبة والثاني على الشقاوة وسوء الخاتمة ويتلوه من التلو وهو التبع ذلك البرهان الذي هو دليل العقل فتذكير الضمير الراجع إلى البينة إنما هو بتأويل.
شاهد منه أي : شاهد من الله تعالى يشهد بصحته وهو القرآن ومن قبله أي : ومن قبل القرآن الشاهد كتاب موسى وهو التوراة فإنها أيضاً تتلو ذلك البرهان في التصديق إماماً كتاباً مؤتماً به في الدين ومقتدى وانتصابه على الحال ورحمة أي : نعمة عظيمة على من أنزل إليهم ومن بعدهم إلى يوم القيامة باعتبار أحكامه الباقية المؤيدة بالقرآن العظيم.
قال في إنسان العيون : التوراة أول كتاب اشتمل على الأحكام والشرائع بخلاف ما قبله من الكتب فأنها لم تشتمل على ذلك وإنما كانت مشتملة على الإيمان بالله وتوحيده ومن ثمة قيل لها صحف وإطلاق الكتب عليها مجاز انتهى أولئك إشارة إلى من كان على بينة.
يؤمنون به أي : يصدقون بالقرآن.
ومن يكفر به (وهركه كافر شود بقرآن) من الأحزاب من أهل مكة ومن تحزب معهم على رسول الله يقا : ل تحزبوا عليه أي : اجتمعوا فالنار موعده أي : مكان وعده الذي يصير إليه وفي جعلها موعداً إشعار بأن له فيها ما يوصف من أفانين العذابفلا تك في مرية منه أي : في شك من أمر القرآن وكونه من عند الله إنه الحق من ربك الذي يربيك في دينك ودنياك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون بأن ذلك حق لا شبهة فيه إما لقصور أنظارهم واختلال أفكارهم، وإما لعنادهم واستكبارهم، هذا ما اختاره البيضاوي وتبعه في ذلك أكثر المفسرين.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٠