ومن أظلم أي : لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا بأن نسب إليه ما لا يليق به كقولهم للملائكة : بنات الله وقولهم لآلهتهم : هؤلاء شفعاؤنا عند الله أولئك المفترون يعرضون على ربهم المراد عرضهم على الموقف المعد للحساب والسؤال، وحبسهم فيه إلى أن يقضي الله تعالى بين العباد، لأنه تعالى ليس في مكان حتى يعرضون عليه وأسند لعرض إليهم والمقصود عرض أعمالهم، لأن عرض العامل بعمله وهو الافتراء هنا أفظع من عرض عمله مع غيبته ويقول الأشهاد عند العرض وهم الملائكة والنبيون والمؤمنون جمع شاهد أو شهيد كأصحاب وأشراف هؤلاء الذين كذبوا على ربهم المحسن إليهم والمالك لنواصيهم بالافتراء عليه وهؤلاء إشارة إلى تحقيرهم وإصغارهم بسوء صنيعهم ألا لعنة الله عذابه وغضبه على الظالمين بالافتراء المذكور وفي الحديث : أن الله تعالى يدنى المؤمن يوم القيامة فيستره من الناس فيقول أيك عبدي أتعرف ذنب كذا وكذا فيقول نعم يا رب فإذا قرره بذنوبه قال : فإني قد سترتها عليك في الدنيا وقد غفرتها لك اليوم ثم يعطي كتاب حسناته وأما الكفار والمنافقون فيقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين يفضحونهم بما كانوا عليه في الدنيا ويبينون أنهم ملعونون عند الله بسبب ظلمهم وفي الحديث : من سمع سمع الله بهأي : من أظهر عمله للناس رياء أظهر الله نيته الفاسدة في عمله يوم القيامة وفضحه على رؤوس الإشهاد وهم الملائكة الحفظة.
وقيل : عموم الملائكة.
وقيل : عموم الخلائق أجمعين ثم وصفهم بالصد فقال :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٠
الذين يصدون أي : يمنعون كل من يقدرون على منعه بالتحريف وإدخال الشبه.
عن سبيل الله عن دين الله وطريق طاعته ويبغونها عوجاً السبيل مؤنث سماعي، فلذلك أنث ضمير يبغونها يقال : بغيت الشيء طلبته وبغيتك خيراً أو شراً، أي : طلبت لك أي : ويصفونها بالانحراف عن الحق والصواب فيكون من قبيل إطلاق اسم السبب على المسبب.
قال : في الإرشاد وهذا شامل لتكذيبهم بالقرآن وقولهم أإنه ليس من عند الله وهم بالآخرة هم كافرون أي : يصفونها بالعوج والحال أنهم كافرون بها لا أنهم مؤمنون بها ويزعمون أن لها سبيلاً سوياً يهدون الناس إليه وتكرير الضمير لتأكيد كفرهم واختصاصهم به، كأن كفر غيرهم ليس بشيء عند كفرهم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٠
[يونس : ٢٦-٢١]﴿وَمِن قَبْلِهِ﴾ لم يكونوا معجزين الله تعالى أن يعاقبهم لو أراد عقابهم في الأرض مع سعتها وأن هربوا منها كل مهرب.
وما كان لهم من دون الله من أولياء ينصرونهم ويمنعونهم من العقاب ولكن أخر ذلك إلى اليوم تحقيقاً للإمهال كما قال تعالى :﴿أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا﴾ (الطلاق : ١٧) والجمع باعتبار أفراد الكفرة كأنه قيل وما كان لأحد منهم من ولي ﴿يُضَـاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ﴾ ستئناف كأنه قيل هؤلاء الذين شأنهم ذلك ما مصير أمرهم وعقبى حالهم؟ فقيل يضاعف لهم عذاب الأبد ضعفين.
ما كانوا يستطيعون السمع النافع وما كانوا يبصرون الحق والآيات النمصوبة في الأنفس والآفاق وهو استئناف وقع تعليلاً لمضاعفة العذاب وليس المراد بالمضاعفة الزيادة بمرتبة واحدة لشمولها الزيادة بمراتب كما في الحواشي السعدية.
ولما كان قبح حالهم
١١٢
في عدم إذعانهم للقرآن الذي طريق تلقيه السمع أشد منه في عدم قبولهم لسائر الآيات المنوطة بالأبصار بالغ في نفي الأول حيث نفى عنهم الاستطاعة واكتفى في الثاني بنفي الأبصار.
أولئك الذين خسروا أنفسهم باشتراء عبادة الآلهة بعبادة الله تعالى في البحر أنه على حذف مضاف، أي : راحة أو سعادة أنفسهم وإلا فأنفسهم باقية معذبة انتهى.
ولعل الإبقاء على حاله أنسب لمرام المقام وأن البقاء معذباً كلابقاء ؛ إذ المقصود من البقاء انتفاع به.
وضل بطل وضاع عنهم ما كانوا يفترون من ألهية الآلهة وشفاعتها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٢
﴿لا﴾ جرم فيه ثلاثة أوجه، الأول : أن لا نافية لما سبق وجرم فعل بمعنى حق وأن مع ما في حيزه فاعله.
والمعنى لا ينفعهم ذلك الفعل أي : حق أنهم في الآخرة هم الأخسرون وهذا مذهب سيبويه.
والثاني : أن جرم بمعنى كسب وما بعده مفعوله وفاعله ما دل عليه الكلام أي : كسب ذلك خسرانهم فالمعنى ما حصل من ذلك إلا ظهور خسرانهم.
والثالث : أن لا جرم بمعنى لا بد أنهم في الآخرة هم الأخسرون وأياًما كان فمعناه أنهم أخسر من كل خاسر.
قال الكاشفي :(بى شك وشبهه ايشان دران سراى ايشان زيانكار تر ازهمه زيانكاران ه زستش بتانرا برستش خداي تعالى خريده اند ومتاع دنياي فإني را بر نعيم عقباي باقي اختيار كرده ودرين سود اغبن فاحش است) :
مايه اين را بدنيا دادن ازدون همتيست
زانكى دنيا جملكى رنج است ودين آسايش است
نعمت فاني ستاني دولت باقي دهى
اندرين سودا خرد داندكه بن فاحش است


الصفحة التالية
Icon