وروى ابن أبي الدنيا عن الضحاك أنه قال : أتى النبي رجل فقال يا رسول الله : من أزهد الناس، قال : من لم ينس القبر والبلى وترك زينة الدنيا، وآثر ما يبقى على ما يفنى، ولم يعد غداً من أيامه وعد نفسه من الموتى وفي الحديث : بادروا بالأعمال فإن بين أيديكم فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً، ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً، ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا ومن البائع دينه بالدنيا المدعي مع الله رتبة طلباً للرياسة واستجلاب حظوظ النفس بطريق التزهد والشيخوخة وهو ملعون على ألسنة الأولياء الذين هم شهداء الله في الأرض لأنه نزل نفسه منزلة السادة الكبراء فظلم واستحق اللعنة.
وفي المثنوى :
توملاف ازمشك كان بوى ياز
ازدم توميكند مكشوف راز
كلشكر خوردم همى كوئى وبوى
ميزند ازسيركه ياوه مكوى
ومن أوصاف المدعين إنهم بادعائهم الشيخوخة يقطعون سبيل الله على طالبيه بالدعوة إلى أنفسهم ويمنعونهم أن يتمسكوا بذيل إرادة صاحب ولاية يهديهم إلى الحق وهم بالآخرة هم كافرون على الحقيقة لأن من يؤمن بالآخرة ولقاء الله والحساب والجزاء على الأعمال لا يجري مع الله بمثل هذه المعاملات، ولهم عذاب الضلال عن سبيل الله بطلب الدنيا والقدوة فيها وعذاب إضلال أهل الإرادة عن طريق الحق باستتباعهم وهم مؤاخذون بخسرانهم وخسران اتباعهم وبحسبان أنهم يحسنون صنعاً فهم الأخسرون.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٣
ترسم نرسى بكعبه أي : أعرابي
كين ره كه توميروى بتركستانست
إن الذين آمنوا أي : بكل ما يجب أن يؤمن به وعملوا الصالحات فيما بينهم وبين
١١٣
ربهم وأخبتوا إلى ربهم الإخبات الخضوع ويستعمل باللام يقال : أخبتواستعماله بإلى في الآية لتضمينه معنى الاطمئنان والانقطاع، والمعنى : اطمأنوا وسكنوا إليه وانقطعوا إلى عبادته بالخشوع والتواضع أولئك المنعوتون بتلك النعوت أصحاب الجنة هم فيها خالدون دائمون لم يأت هنا ضمير الفصل للإشارة والله أعلم إلى أن الخلود فيها ليس بمختص بهؤلاء الموصوفين، فإن المؤمن وإن لم يعمل الصالحات مآله الخلود في الجنة على ما هو مذهب أهل السنة كذا في حواشي سعدي المفتي.
وقال في التأويلات النجمية : إن الذين آمنوا بطلب الله وطلبوه على أقدام المعاملات الصالحات للطلب المفيدات للوصول إلى المطلوب وأنابوا إلى ربهم بالكلية ولم يطلبوا منه إلا هو واطمأنوا به أولئك أصحاب الجنة أي : أرباب الجنة كما يقال : رب الدار لصاحب الدار وهم مطلوبوا الجنة لاطلابها، وإنما هم طلاب الله هم فيها خالدون طلاباً.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٣
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـانِ الرَّحِيمِ﴾ أي : حالهما العجيب لأن المثل لا يطلق إلا على ما فيه غرابة من الأحوال والصفات.
قال ابن الشيخ : لفظ المثل حقيقة عرفية في القول السائر المشبه مضربه بمورده، ثم يستعار للصفة العجيبة والحال الغريبة تشبيهاً لهما بالقول المذكور في الغرابة، فإنه لا يضرب إلا ما فيه غرابة كالأعمى والأصم والبصير والسميع أي : كهؤلاء فيكون ذواتهم كذواتهم فإن تشبيه حال الشيء بحال شيء آخر يستلزم تشبيه الشيء الأول بالثاني فالأعمى والأصم هم الكافرون والبصير والسميع هم المؤمنون.
والواو في والأصم والسميع لعطف الصفة على الصفة كقولك هو الجواد والشجاع فإن الأدخل في المبالغة أن يشبه الكافر بالذي جمع بين العمى والصمم كالموتى، وذلك أن الكفرة حين لا ينظرون إلى ما خلق الله نظر اعتبار ولا يسمعون ما يتلى عليهم من آيات الله سماع تدبر، كان بصرهم كلا بصر، وسماعهم كلا سماع، فكان حالهم لانتفاء جدوى البصر والسماع كحال الموتى الذي فقدوا مصحح البصر والسمع.
قال ابن الشيخ : الأعمى إذا سمع شيئاً ربما يهتدي إلى الطريق، والأصم ربما ينتفع بالإشارة ومن جمع بينهما فلا حيلة له، وقس عليه الشخص الذي جمع بين الوصفين الشريفين اللذين هما البصرو السمع فإنه يكون بذلك على أحسن حال.
وقدم الأعمى لكونه أظهر وأشهر في سوء الحال من الأصم.
هل يستويان يعني الفريقين المذكورين والاستفهام إنكاري.
مثلاً أي : حالاً وصفة وهو تمييز من فاعل يستويان منقول من الفاعلية والأصل هل يستوي مثلهما.
أفلا تذكرون أي : أتشكون في عدم الاستواء وما بينهما من التباين، أو أتغفلون عنه فلا تتذكرون بالتأمل فيما ضرب لكم من المثل فيكون الإنكار وارداً على المعطوفين معاً أو أتسمعون هذا فلا تتذكرون فيكون راجعاً إلى عدم التذكر بعد تحقق ما يوجب وجوده وهو المثل المضروب.
وفي التأويلات النجمية الأعمى الذي لا يبصر الحق حقا والباطل باطلاً بل يبصر الباطل حقاً والحق باطلاً.
والأصم من لا يسمع الحق حقاً والباطل باطلاً بل يسمع الباطل حقاً والحق باطلاً، والبصير الذي يرى الحق حقاً ويتبعه ويرى الباطل باطلاً ويجتنبه، والسميع الذي من كان الله سمعه فيسمع به ومن أبصر بالله لا يبصر غير الله ومن
١١٤
سمع بالله لا يسمع إلا من الله انتهى.