جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٤
يعني يسمع من الحق تعالى ولا يرى أن أحداً في الوجود يخاطبه غير الله تعالى فهو ممتثل لكل ما يؤمر به حكى أن خير النساج لقيه إنسان، فقال : له أنت عبدي واسمك خير فسمع ذلك من الحق سبحانه، واستعمله الرجل في النسج أعواماً ثم بعد ذلك قال : له ما أنت عبدي ولا اسمك خير.
كوشى كه بحق بازبود درهمه جاى
ازهي سخن نشنود إلا زخداى
وان ديده كزو نور ذيرد اورا
هرذره بود آيينه دوست نماى
وفي كل من مقام الرؤية والسماع ابتلاء، والطالب الصادق يقف عند الحد الذي حد له فلا ينظر إلى الحرام، ولا يرتكب المحذور كشرب الخمر، وإن قيل له من لسان واحد اشرب هذه الخمر، لأن هذا القول ابتلاء من الله تعالى هل يقف عند حده أولا فلا بد من التحقق في الطريق ليكون تابعاً لأمر مولاه لا أسيراً لشهوته وعبداً لهواه وذلك التحقق والتبعية إنما يكون ويحصل بالاجتهاد والتشبث بذيل واحد من أهل الإرشاد.
وفي المثنوى :
آن سواريكه سه را شد ظفر
اهل دين را كيست سلطان بصر
باعصا كوران اكرره ديده اند
درناه خلق روشن ديده اند
كرنه بينايان بدندى وشهان
جمله كوران مرده اندى درجهان
نى زكوران كشت آيدنى درود
نى عمارت نى تجارتها وسود
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٤
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ﴾ الواو ابتدائية واللام جواب قسم محذوف وحرفه الباء لا الواو كما في سورة الأعراف لئلا يجتمع واوان أي : بالله لقد بعثنا نوحاً وهو بن ملك ابن متوشلخ بن إدريس عليهما السلام وهو أول نبي بعث بعده قال ابن عباس رضي الله عنهما : بعث نوح على رأس أربعين من عمره، ولبث يدعو قومه تسعمائة وخمسين سنة وعاش بعد الطوفان ستين سنة، وكان عمره ألفا وخمسين سنة، وقيل غير ذلك ولد نوح بعد الف وستمائة واثنتين وأربعين سنة من هبوط آدم عليه السلام وكانت دمشق داره ودفن في الكوفة.
وقال بعضهم : في الكرك، وقال بعضهم : في مغارة إبراهيم عليه السلام في القدس، ويقال : كان اسمه شاكراً وسمى نوحاً لكثرة نياحته على نفسه.
واختلفوا في سبب نياحته على ثلاثة أوجه، الأول : قلة رحمته حين قال : رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً فلم يرض الله ذلك منه، والثاني : أنه مر بكلب؟ فقال : ما أقبحك من خلق فعاتبه الله على ذلك أعبتني أم عبت الكلب؟ فقام وناح على نفسه وذهب في البراري والجبال، والثالث : الميل والهوى إلى ولده ومراجعته إلى ربه حين قال : إن ابني من أهلي فقال الله : إنه ليس من أهلك فقام وناح على نفسه أو شفقة على الولد وخوفاً على نفسه كذا في التبيان.
يقول الفقير عامله الله بلطفه الخطير إن بعض الزلات وإن كان سبباً للنياحة كما وقع أيضاً لداود عليه السلام وغيره إلا أن نياحة الأنبياء والأولياء إنما هي من جلال الله تعالى وهيبته الآخذة بقلوبهم فهي من صفات العاشقين وسمات العارفين، ألا ترى إلى يحيى عليه السلام لم ير أكثر نوحاً وبكاء منه في زمانه مع أنه لم يهم بذنب قط، وبكاء يعقوب عليه السلام لم يكن لمجرد فراق يوسف عليه السلام، بل كان فراقه سبباً صورياً
١١٥
ظاهرياً له، والله تعالى إذا أراد بكاء عبده وحنينه إلى جنابه ابتلاء بالفراق أو بالجوع أو بغيرهما كما لا يخفى على أهل القلوب وفي ذلك ترقيات له عجيبة وتجليات له غريبة، قد شاهدت هذه الحال من بعض أهل الكمال.
وههنا سؤال وهو أنه كيف يستقيم الإخبار في الأزل عن إرسال نوح عليه السلام بلفظ الماضي ونوح وقومه لم يجد بعد؟
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٥
والجواب أن هذا الإخبار بالنسبة إلى الأزل لا يتصف بشيء من الأزمنة إذ لا ماضي ولا مستقبل ولا حال بالنسبة إلى الله تعالى واتصافه به إنما هو بالنسبة إلى توجه الخطاب للسامع فإن كان معنى الكلام سابقاً على توجه الخطاب له كان ماضياً وإن كان معه أو بعده فالحال أو الاستقبال إني أي : فقال : لقومه إني لكم نذير مخوف مبين مظهر وذلك الإنذار على أكمل طرقه، أي : أبين لكم موجبات العذاب ووجه الخلاص منه بياناً ظاهراً لا شبهة فيه، ولم يقل وبشير لأن البشارة إنما تكون لمن آمن ولم يكن أحد آمن كما اقتصر على الإنذار في قوله تعالى :}(المدثر : ٢) ﴿قُمْ فَأَنذِرْ﴾ تقديماً للتخلية على التحلية.
إن لا تعبدوا إلا الله أي : بأن لا تعبدوا على أنّ إن مصدرية والباء متعلقة بأرسلنا ولا ناهية، أي : أرسلناه ملتبساً بنهيهم عن الشرك.
قال في التأويلات النجمية : قال نوح : الروح لقومه القلب والنفس والبدن أن لا تعبدوا الدنيا وشهواتها والآخرة ودرجاتها فإن عبادة الله مهما كانت معلولة بشيء من الدنيا والآخرة فإنه عبد ذلك الشيء لا الله على الحقيقة انتهى.
ولذا قالوا : الرغبة في الإيمان والطاعة لا تنفع إلا إذا كانت تلك الرغبة رغبة فيه لكونه إيماناً وطاعة وأما الرغبة فيه لطلب الثواب وللخوف من العقاب فغير مفيدة.
قال الشيخ المغربي قدس سره :
درجنت ديدار تماشاى جمالت