باشد ز قصور ار بودم ميل بحورى
إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم يوم القيامة أو يوم الطوفان.
وأليم يجوز أن يكون صفة يوم وصفة عذاب على أن يكون جره للجوار، ووصفه بالأليم على الإسناد المجازي للمبالغة يعني أن إسناد الأليم إلى اليوم إسناد إلى الظرف، كقولك نهاره صائم، وإسناده إلى العذاب إسناد إلى الوصف كقولك جد جده والمتألم حقيقة هو الشخص المعذب المدرك لا وصفه ولا زمانه وإذا وصفا بالتألم دل على أن الشخص بلغ في تألمه إلى حيث سرى ما به من التألم إلى ما يلابسه من الزمان والأوصاف، فالأليم : بمعنى المؤلم على أنه اسم مفعول من الإيلام، ويجوز أن يكون بمعنى المؤلم على أنه اسم فاعل وهو صفة الله تعالى في الحقيقة ؛ إذ هو الخالق للألم روى أن الله تعالى أرسل نوحاً إلى قومه فجاءهم يوم عيد لهم وكانوا يعبدون الأصنام ويشربون الخمور ويواقعون النساء كالبهائم من غير ستر فناداهم بصوت عالٍ ودعاهم إلى التوحيد ففزعوا، ثم نسبوه إلى الجنون وضربوه وكذبوه كما قال تعالى :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٥
﴿فَقَالَ الْمَلا الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ﴾ أي : الأشراف منهم الذين ملأوا القلوب هيبة والمجالس أبهة، ووصفهم بالكفر لذمهم والتسجيل عليهم بذلك من أول الأمر، لا لأن بعض أشرافهم ليسوا بكفرة ما نريك إلا بشراً مثلنا لا مزية لك علينا نخصك من دوننا بالنبوة ووجوب الطاعة ولو كان كذلك لرأيناه فالرؤية بصرية وإلا بشراً حال من المفعول ويجوز أن تكون قلبية وهو الظاهر، فإلا بشرا
١١٦
مفعول ثان، وتعلق الرأي بالمثلية لا بالبشرية فقط.
قال الكاشفي :(ايشان هياكل بشر ديدند وازدرك حقائق اشيا غافل ماندند) مثنوى :
همسرى با نييا بر داشتند
اوليارا همو خود نداشتند
كفت اينك ما بشر ايشان بشر
ماوايشان بسته خوابيم وخور
اين ندانستند ايشان ازعمى
هست فرقي درميان بى منتهى
هر دوكون زنبور خوردند ازمحل
ليك شد زان نيش وزاين ديكر عسل
هردوكون آهو كيا خوردند وآب
زاين يكى سركين شد وزان مشكناب
هر دون نى خوردند ازيك آبخور
اين يكى خالي وآن راز شكر
والإشارة أن النفس سفلية وطبعها سفلى ونظرها سفلي والروح علوي وله طبع علوي ونظر علوي فالروح العلوي من خصائصه دعوة غيره إلى عالمه لأنه بنظره العلوي يرى شرف العبادات وعزتها ويرى السفليات وخستها وذلتها فمن طبعه العلوي يدعو السفلي إلى العلويات والنفس السفلية بنظرها السفلي لا ترى العلويات ولا تميل بطبعها السفلي إلى العلويات بل تميل إلى السفليات وترى بنظرها السفلى كل شيء سفلياً فتدعو غيرها إلى عالمها فمن هنا ترى الروح العلوي بنظر المثلية، فكذلك صاحب هذه النفس يرى صاحب الروح العلوي بنظر المثلية فيقول ما نراك إلا بشراً مثلنا فلهذا ينظرون إلى الأنبياء، ولا يرونهم بنظر النبوة بل يرونهم بنظر الكذب والسحر والجنون ويرون اتباع الأنبياء بنظر الحقارة كما قالوا : وما نريك اتبعك الرؤية إن كانت بصرية يكون اتبعك حالاً من المفعول بتقدير قد وإن كانت قلبية يكون مفعولاً ثانياً إلا الذين هم أراذلنا بادى الرأي أخساؤنا ودانينا كالحاكة والأساكفة وأهل الصنائع الخسيسة ولو كنت صادقاً لاتبعك الأكياس والأشراف من الناس.
فالأراذل جمع اسم تفضيل أي : أرذل كقوله : اكابر مجرميها وأحاسنكم أخلاقاً جمع أكبر وأحسن.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٦
فإن قلت يلزم الاشتراك إذا بين الأشراف وبينهم في مأخذ الاشتقاق الذي هو الرذالة.
قلت هو للزيادة المطلقة والإضافة للتوضيح فلا يلزم ما ذكرت، وانتصاب بادى الرأي على الظرفية على حذف المضاف أي : اتبعك وقت حدوث بادى الرأي وظاهره، أو في أول الوهلة من غير تعمق وتدقيق تفكر من البدو، أو من البدء والياء مبدلة من الهمزة لانكسار ما قبلها وإنما استرذلوهم مع كونهم أولى الألباب الراجحة لفقرهم وكان الأشراف عندهم من له جاه ومال كما ترى أكثر أهل زمانك يعتقدون ذلك ويبنون عليه إكرامهم وإهانتهم :
فلك بمردم نادان دهد زمام مراد
تواهل فضلي ودانش همين كناهت بس
وما أعجب شأن أهل الضلال لم يرضوا للنبوة ببشر ولا اتباعه وقد رضوا للإلهية بحجر وعبادته.
قال في التأويلات النجمية أما الأراذل من اتباع الروح البدن وجوارحه الظاهرة فإن الغالب على الحق أن البدن يقبل دعوة الروح ويستعمل الجوارح بالأعمال الشرعية، ولكن النفس الأمارة بالسوء تكون على كفرها، ولا تخلى البدن يستعمل بالأعمال الشرعية الدينية إلا لغرض فاسد ومصلحة دنيوية كما هو المعتاد لأكثر الخلق وما نرى لكم أي : لك ولمتبعيك فغلب
١١٧
المخاطب على الغائبين علينا من فضل من زيادة شرف في الملك والمال تؤهلكم للنبوة واستحقاق المتابعة، واتباعهم لك لا يدل على نبوتك ولا نجد بكم فضيلة تستتبع اتباعنا لكم.
قال في الكواشي : وما نرى لكم علينا من فضل لأنكم بشر تأكلون وتشربون مثلنا.
بل نظنكم كاذبين جميعاً لكون كلامكم واحداً ودعواكم واحدة.


الصفحة التالية
Icon