قال نوح يا قوم (اي كروه من) أرأيتم أي : أخبروني فإن الرؤية سبب للإخبار إن كنت على بينة برهان ظاهر من ربي وشاهد يشهد بصحة دعواى.
وآتيني رحمة من عنده هي النبوة فعميت عليكم أي : أخفيت تلك البينة عليكم.
أنلزمكموها أي : أنلزمكم قبول تلك البينة ونوجبها عليكم ونجبركم على الاهتداء بها، وهذا استفهام معناه الإنكار يقول لا نقدر أن نلزمكم من ذات أنفسنا وهو جواب أرأيتم وساد مسد جواب الشرط وأنتم لها كارهون والحال أنكم لا تختارونها ولا تتأملون فيها ومحصول الجواب أخبروني إن كنت على حجة ظاهرة الدلالة على صحة الدعوى إلا أنها خافية عليكم غير مسلمة عندكم أيمكننا إن نكرهكم على قبولها وأنتم معرضون عنها غير متدبرين فيها أي : لا يكون ذلك.
قال سعدي المفتي : المراد إلزام جبر بالقتل ونحوه فأما إلزام الإيجاب فهو حاصل.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٦
قال قتادة : لو قدر الأنبياء إن يلزموا قومهم الإيمان لألزموهم ولكن لم يقدروا :
يكى را بخوانى كه مقبول ماست
يكى را برانى كه مخذول ماست
بدونيك امر ترا بنده اند
بتسليم حكمت سر افكنده اند
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٦
﴿وَيَـاقَوْمِ لا أَسْـاَلُكُمْ عَلَيْهِ﴾ على تبليغ الرسالة وهو إن لم يذكر فمعلوم من قوله إني لكم نذيرم مبين أن لا تعبدوا إلا الله ما لا تؤدونه إلي بعد إيمانكم واتباعكم لي فيكون ذلك أجراً لي في مقابلة اهتدائكم.
إن أجري إلا على الله وهو الثواب الذي يثيبني في الآخرة، أي : ما بلغتكم من رسالة الله إلا لوجه الله لا لغرض من أغراض الدنيا.
وما أنا بطارد الذين آمنوا لأنهم طلبوا منه أن يطرد من عنده من الفقراء والضعفاء حتى يجالسوه كما طلب رؤوس قريش من رسول الله طرد فقراء المؤمنين الملازمين لمجلسه الشريف استنكافاً منهم أن ينتظموا معهم في سلك واحد.
قال الحافظ :
آنه زر ميشود از رتو آن قلب سياه
كيمياييست كه درصحبت درويشانست
وقال :
نظر كردن بدرويشان منافىء بزركى نيست
سليمان بانان حشمت نظرها بودبامورش
قيل : إن الله تعالى اختار الفقر لرسول الله نظراً لقلوب الفقراء حتى يتسلى الفقير بفقره كما يتسلى الغنى بماله، وليدل على هوان الدنيا عند الله تعالى إنهم ملاقوا ربهم يوم القيامة فيقتص لهم ممن ظلمهم كما في الكواشي أو إنهم فائزون في الآخرة بلقاء الله تعالى وحسن جزائه كأنه قيل : لا أطردهم ولا أبعدهم عن مجلسي، لأنهم مقربون في حضرة القدس وكيف أذل من أعزه الله تعالى.
ولكني أريكم قوماً تجهلون ما أمرتكم به وما جئتكم به قاله أبو الليث.
وقال في الإرشاد : تجهلون بكل ما ينبغي أن يعلم، ويدخل فيه جهلهم بلقائه تعالى
١١٨
وبمنزلتهم عنده وباستيجاب طردهم لغضب الله تعالى.
ويا قوم من ينصرني من الله يدفع عني غضب الله تعالى ويمنعني من انتقامه إن طردتهم وهم بتلك الصفة والمثابة من الكرامة والزلفى أفلا تذكرون أي : أتستمرون على ما أنتم عليه من الجهل المذكور، فلا تتذكرون ما ذكر من حالهم حتى تعرفوا أن ما تأتون بمعزل من الصواب، وفي الحديث : حب الفقراء والمساكين من أخلاق الأنبياء والمرسلين وبغض مجالستهم من أخلاق المنافقين.
والإشارة يقول نوح الروح للنفس من يمنعك من عذاب الله تعالى وقهره إن منعت البدن من الطاعة والعبودية واقتصر على مجرد إيمان النفس وتخلقها بأخلاق الروح، كما هو معتقد أهل الفلسفة وأهل العناد فإنهم يقولون إن أصل العبودية معرفة الربوبية وجمعية الباطن والتحلية بالأخلاق الحميدة فلا عبرة للأعمال البدنية كذبوا والله وكذبوا الله ورسوله فضلوا كثيراً، والقول ما قال المشايخ رحمهم الله : الظاهر عنوان الباطن وقال النبي : لا يستقيم إيمان أحدكم حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، ولا يستقيم لسانه حتى يستقيم أعماله يعني أركان الشريعة تسري إلى الباطن عند استعمال الشريعة في الظاهر وإن الله تعالى أودع النور في الشرع والظلمة في الطبع وإنما بعث الأنبياء ليخرجوا الخلق من ظلمات الطبع إلى نور الشرع.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٨
﴿وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَآاـاِنُ اللَّهِ﴾ أي : عندي رزق الله وأمواله حتى تستدلوا بعدمها على كذبي بقولكم، وما نرى لكم علينا من فضل، بل نظنكم كاذبين فإن النبوة أعز من أن تنال بأسباب دنيوية ودعواها بمعزل عن ادعاء المال والجاه.
قال سعدي المفتي : يعني : لا أدعى وجوب اتباعي بكثرة المال والجاه الدنيوي حتى تنكروا فضلي وإنما أدعى وجوبه، لأني رسول الله وقد جئت ببينة تشهد على ذلك ولا أعلم الغيب أي : لا أدعى في قولي إني لكم نذير مبين إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم، العلم على الغيب حتى تسارعوا إلى الإنكار والاستبعاد.