وقال سعدى المفتي : الظاهر أنهم حين أدعى النبوة سألوه عن المغيبات وقالوا : إن كنت صادقاً في دعواك فأخبرنا عن كذا وكذا، فقال : أنا أدعى النبوة وقد جئتكم بآية من ربي ولا أعلم الغيب إلا بإعلامه ولا يلزم من أن يكون سؤالهم مذكوراً في النظم أن سؤال طردهم كذلك ولا أقول لكم إني ملك حتى تقولوا ما نراك إلا بشراً مثلنا فإن البشرية ليست من موانع النبوة بل من مباديها.
يعني إنكم اتخذتم فقدان هذه الأمور الثلاثة ذريعة إلى تكذيبي والحال أني لا أدعي شيئاً من ذلك ولا الذي أدعيه يتعلق بشيء منها، وإنما يتعلق بالفضائل النفسانية التي بها تتفاوت مقادير البشر.
ولا أقول مساعدة لكم كما تقولون للذين تزدرى أعينكم زراه إذا عابه واستصغره أي : لأجل المؤمنين الذي تزدريهم أعينكم لفقرهم وفي شأنهم، ولو كانت اللام للتبليغ لكان القياس لن يؤتيكم بكاف الخطاب، وإسناد الازدراء إلى الأعين للمبالغة والتنبيه على أنهم استرذلوهم بادىء الرؤية من غير رؤية وبما عاينوا من رثاثة حالهم وقلة منالهم دون تأمل في معانيهم وكمالاتهم.
قال السعدي :
معانيست درزير حرف سياه
ودر رده معشوق ودرميغ ماه
سنديده ونغز بايد خصال
كه كاه آيد وكه رود جاه ومال
١١٩
يقول الفقير : الظاهر أن إسناد الازدراء إلى الأعين إنما هو بالنسبة إلى ظهوره فيها كما يقال : فلان نظر إلى فلان بعين التحقير دون عين التعظيم، وهذا لا ينافي كونه من صفات القلب في الحقيقة لن يؤتيهم الله خيراً في الدنيا أو في الآخرة فعسى الله أن يؤتيهم خير الدارين وقد وقع كما قال، فإن نطق الأنبياء عليهم السلام إنما هو من الوحي والإلهام حيث أورثهم الله أرضهم وديارهم بعد عزتهم الله أعلم بما في أنفسهم من الإيمان والمعرفة ورسوخهم فيه إني إذا أي : إذ قلت ذلك لمن الظالمين لهم بحط مرتبتهم ونقص حقوقهم، أو من الظالمين لأنفسهم، بذلك فإن وباله راجع إلى أنفسهم.
وفيه تعريض بأنهم ظالمون في ازدرائهم واسترذالهم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٩
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال : لمسلم أخو المسلم المراد أخوة الإسلام لا يظلمه بنقصه حقه أو بمنعه أياه ولا يخذله بترك الإعانة والنصرة إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه ولا يحقره أي : لا يحتقره ولا يستكبر عليه.
والاحتقار بالفارسية (خوارداشتن) التقوى ههنا التقوى ههنا التقوى ههنا ويشير إلى صدره، وأصل التقوى الاجتناب والمراد ههنا اجتناب المعاصي وكأن المتقي يتخذ له وقاية من عذاب الله تعالى بترك المخالفة.
وقوله ههنا إشارة إلى أن الأعمال الظاهرة لا تحصل بها التقوى وإنما تحصل بما يقع من عظمة الله تعالى وخشيته ومراقبته فمن كانت التقوى في قلبه فلا ينظر إلى أحد بعين الحقارة بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم يعني : يكفيه من الشر احتقاره أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله العرض موضع المدح والذم من الإنسان كما في فتح القريب.
وقال ابن الملك : عرض الرجل : جانبه الذي يصونه.
قالوا يانوح قد جادلتنا خاصمتنا فأكثرت جدالنا أي : أطلته، والمجادلة روم أحد الخصمين إسقاط كلام صاحبه وهو من الجدل وهو شدة القتل فائتنا بما تعدنا أي : تعدنا من العذاب المعجل.
إن كنت من الصادقين في الدعوى والوعيد فإن مناظرتك تؤثر فينا.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٩
﴿قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللَّهُ إِن شَآءَ﴾ عاجلاً أو آجلاً وليس موكولاً إليّ ولا مما يدخل تحت قدرتي، وفيه إشارة إلى أن وقوع العذاب بمشيئة الله لا بالأعمال الموجبة للوقوع وما أنتم بمعجزين بالهرب أو بالمدافعة كما تدافعون في الكلام.
قال الإمام : فإن أحداً لا يعجزه أي : يمنعه مما أراد يفعله والمعجز هو الذي يفعل ما عنده فيتعذر به مراد الغير فيوصف بأنه أعجزه فقوله تعالى : وما أنتم بمعجزين أي : لا سبيل لكم إلى أن تفعلوا ما عندكم فيمتنع على الله تعالى ما يشاء من العذاب إن أراد إنزاله بكم.
ولا ينفعكم نصحي النصح كلمة جامعة لكل ما يدور عليه الخير من فعل أو قول وحقيقته الخاصة إرادة الخير والدلالة عليه ونقيضه الغش، وقيل هو إعلام موضع الغي ليتقي.
وموضع الرشد ليقتفى إن أردت أن أنصح لكم شرط حذف جوابه لدلالة ما سبق عليه، والتقدير إن أردت أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحى وهذه الجملة دالة على ما حذف من جواب قوله تعالى إن كان الله يريد أن يغويكم والتقدير إن كان الله يريد أن يغويكم، فإن أردت أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحي، وفيه إشارة إلى أن نصح الأنبياء ودعوتهم لا تفيد الهداية مع إرادة الله الغواية والكل بيد الله تعالى.
قال الحافظ :
مكن بشم حقارت نكاه برمن مست
كه نيست معصيت وزهد بي مشيت او
١٢٠
يقول الفقير : قد سبق أن نوحاً عليه السلام وصفهم بالجهل والجاهل لا ينفع فيه النصح والوعظ كما في المثنوى :
ند كفتن باجهول خوابناك
تخم افكندن بود درشوره خاك
اك حمق وجهل نذيرد رفو
تخم حكمت كم دهش اي ندكو